النخبة التى تقول كلاما.. وتفعل عكسه!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 20 مايو 2020 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

هل يفترض أن نلوم فقط بعض المواطنين العاديين الذين يستهترون بفيروس كورونا، ويعرضون أنفسهم والمجتمع للخطر الشديد؟!
الإجابة هى لا، بل علينا أن نلوم معهم أيضا وربما قبلهم العديد من رموز النخبة الذين ضربوا أسوأ الأمثلة فى القدوة غير الحسنة لبقية المواطنين.
خلال الأيام الماضية كتبت أكثر من مرة عن ضرورة إظهار «العين الحمرا» للمستهترين من الناس بالإجراءات الاحترازية، وكتبت عن أولئك الذين «يلقون بأيديهم فى التهلكة» وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
واليوم وإثباتا للموضوعية فإن هناك فئة أخرى ينبغى فضحها وتسليط الضوء عليها، لأنها ترتكب جرما أكبر بكثير مما يفعله البسطاء والمواطنون العاديون.
نلوم البسطاء الذين يتزاحمون فى وسائل المواصلات، ونلوم بعض الشباب الذى قد لا يعرف خطورة الفيروس، ونلوم بعض الغيورين على الدين الذين يريدون إقامة الصلوات الجماعية. لكن ورغم ضرورة لوم هؤلاء، فإن هناك فئة تستحق اللوم الأكبر وهى قادة الرأى فى العديد من المجالات الذين كانوا قدوة سيئة فى المجتمع.
حينما يقوم عضو مجلس نواب بإقامة وليمة فى أحد شوارع وسط البلد، ويحضرها العشرات، ويمر الأمر مرور الكرام، باستثناء بعض الأخبار على المواقع الإلكترونية، فلا يمكن لنا أن نتحدث عن القدوة. النائب البرلمانى يفترض أن يكون قدوة للمواطنين، وحينما يقيم مائدة إفطار رمضانية جماعية، فهى رسالة للجميع أن يقلدوه، ووقتها لا ينفع أى تبرير، وسيبدو ساذجا، من قبيل أن المدعويين مغتربون ولم يجدوا مكانا يفطرون فيه، رغم أن معظمهم نواب ومقتدرون ولديهم بيوت أو أقارب. كان يفترض أن يكون هناك رد فعل قوى، حتى لا يقوم مواطنون آخرون بتقليده!.
أيضا فإن محلا شهيرا لبيع الفطير المشلتت على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى يسمح لعماله وموظفيه بإقامة صلاة الجماعة، وقد رأيت ذلك بنفسى أثناء صلاة العصر يوم الثلاثاء الماضى.
حينما ينصح الإعلاميون ليل نهار المواطنين بضرورة عدم التجمع خوفا على صحتهم، فلا يصح أن يتجمع الإعلاميون أنفسهم فى العديد من المناسبات مثل الجنازات أو اللقاءات. فى الفترة الماضية شاهدنا أكثر من جنازة للعديد من الشخصيات العامة، أو أقارب لشخصيات عامة، وشاهدنا تجمعات لمواطنين فى المقابر. وكان منطقيا أن يكون رد فعل العديد من المواطنين هى أنهم لن يصدقوا أى كلام يصدر من هذه الشخصيات!.
المشكلة أن هذه الشخصيات تعتقد أنها فوق اللوائح والقوانين والإجراءات الاحترازية، وأن ما تفعله حتى لو كان شاذا ينبغى أن يقبله المجتمع!!. فى حين أن المواطن العادى يريد من هذه النخبة أن تكون قدوة فعلا وليس «كده وكده»!.
هناك وقائع لا يمكن اعتبارها غير قانونية، لكن صداها شديد السلبية. فحينما تطلب النخبة من المواطنين عدم إقامة الولائم فى المنازل، فإنه لا يصح الاعلان عن عزومات فى المنازل حتى لو كانت صغيرة. وهنا يجب أن نستحضر المثل القائل «إذا بليتم فاستتروا». المواطن البسيط ينظر ويشاهد ويحلل كل ما تفعله الشخصيات العامة، وحينما يجد سلوكا مختلفا عما يسمعه عن هذه الشخصيات، فإنه يصاب بصدمة شديدة، ويفقد الثقة فى كل ما يسمعه.
أتفهم أن يزور صديق صديقه او حماته او اسرته، لكن حينما نقول للناس إن الولائم الجماعية خطر على الصحة العامة، لأنها قد تزيد من احتمالية الإصابة بالفيروس، فلا يصح أن نتفاجأ بمجموعة من رموز المجتمع تتناول الإفطار الجماعى، والأدهى تقوم بتوزيع الصور ونشرها. الرسالة التى ستصل للناس بسيطة، وهى تقليد هذه الرموز أولا، وثانيا عدم تصديق أى كلام يسمعوه عن خطورة الفيروس!.
المواطن البسيط حينما يخطئ ولا يتبع القواعد الاحترازية يضر نفسه أو بعض أقاربه ومخالطيه، لكن الشخصية العامة، حينما تخطئ، فهى تضر المجتمع بأكمله، لأن الناس سوف تقلدها.
يحق للناس العادية أن ترفع يدها معترضة، وتقول لهذه الرموز والنخب: عفوا لن نصدقكم بعد اليوم، وأنتم تتحدثون عن مخاطر كورونا، وضرورة التباعد الاجتماعى، ونرجوكم توقفوا عن لوم الناس البسيطة، إذا زادت الإصابات، ولوموا أنفسكم أولا!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved