اقتراحات للخروج من مأزق الدستور والانتخابات وعزل قيادات الوطنى

ضياء رشوان
ضياء رشوان

آخر تحديث: الإثنين 20 يونيو 2011 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

 طغت على الساحة السياسية المصرية خلال الأسابيع الأخيرة مجموعة من القضايا التى أثارت قدرا أكبر من الخلاف والنقد المتبادل بين مختلف القوى السياسية التى شاركت بصور متنوعة فى التمهيد لثورة 25 يناير والقيام بها، فضلا عن نفس القدر بين جمهور المواطنين المصريين الذين يتابعون ويشاركون فى الحوار العام بالبلاد بطرق متعددة. وقد كانت قضية الدستور أولا أم الانتخابات هى أبرز هذه القضايا بما تتضمنه من خلاف آخر ربما أكثر أهمية حول ما يجب أن يتضمنه بخصوص علاقة الدين بالدولة والسياسة فى النظام الثورى الجديد. وتلتها قضية العزل السياسى القانونى المؤقت لقيادات وأعضاء الحزب الوطنى المنحل، وبينهما وبعدهما أتت قضية موقع القوات المسلحة فى نصوص الدستور القادم، وكيفية صياغة علاقتها بالنظام السياسى الجديد الذى سيتشكل فى البلاد بعد استقرار الثورة.

والحقيقة أن جزءا مهما من الخلاف حول تلك القضايا لم يأت وينصب فقط حول المضامين التى يتبناها كل المختلفين حولها، بل أتى ــ كما هى العادة السياسية المصرية مثلما تبلورت خلال السنوات الأخيرة ــ من عدم الاتفاق على آلية أو وسيلة لإدارة الخلاف والسعى للتوصل لحلول وسط بشأنها بين المختلفين والفرقاء. والحقيقة أيضا أن استمرار مثل تلك الخلافات بل وتطورها إلى الأسوأ من عدم القدرة على التوصل لحلول وسط بشأنها كان دوما مرتبطا بالفشل فى التوصل لمثل تلك الآلية أو الوسيلة التى تساعد على الوصول إليه، الأمر الذى وجه جزءا من الحوار العام فى الفترة الأخيرة نحو اقتراحات لآليات ووسائل متعددة وهو الأمر الذى يعد تطورا إيجابيا يمكن أن يساعد على تجاوز أزمة الخلاف المتسعة.

<<<
وضمن هذا التطور الإيجابى الذى قد يكون هو المقدمة لتجاوز أزمة الخلاف والتوصل لحل وسط، يمكن اقتراح آلية محددة للتوصل لحل وسط فيما يخص قضية الدستور أم الانتخابات أولا وتتضمن أيضا حلا وسطا لمضمون القضايا المختلف حولها فى الدستور القادم. وتتضمن هذه الآلية عدة خطوات متتالية ومتوازية يؤدى ترابطها إلى التوصل للحلول المنشودة. وتبدأ هذه الآلية من حقيقة أن الخلاف اليوم حول مضمون القضايا المختلف حولها لا يزال فى معظمه شفويا وبالتناقل والتواتر دون وجود نصوص مكتوبة رسمية تعبر عن وجهات نظر القوى السياسية بشأن القضايا المختلف حولها. وقد سبق وأشرنا فى مقال سابق إلى أن الخلافات تتركز حول قضيتين رئيسيتين هما طبيعة الدولة فى مصر من زاوية علاقة الدين الإسلامى بالسياسة وطبيعة النظام المقترح فى مصر بين البرلمانى والرئاسى، ونضيف إليهما اليوم ثالثة وهى موقع القوات المسلحة فى نصوص الدستور القادم، وكيفية صياغة علاقتها بالنظام السياسى الجديد. ونقترح هنا أن تتشكل لجنة مصغرة من 15 إلى 20 عضوا فقط تمثل فيها على قدم المساواة التيارات الرئيسية الأكبر فى البلاد، وهى التيار الإسلامى والليبرالى والقومى واليسارى، بالإضافة إلى ممثلين محدودين للمجتمع المدنى بنقاباته وجمعياته لكى تتحاور حول نصوص محددة ومفصلة لمواد الدستور التى تعالج القضايا الثلاث السابقة. وحتى يؤدى هذا الحوار إلى نتائج ملموسة وسريعة فيجب أن يسبقه قيام كل من القوى السياسية الأربع الكبرى ومؤسسات المجتمع المدنى الرئيسية بالتحاور الداخلى كل ما بين فصائله وتنظيماته للتوصل لصياغتهم الخاصة بالمواد الدستورية المقترحة لكى يمكن التحاور حولها فى اللجنة المقترحة. إن التحاور حول نصوص مكتوبة وليس حول نوايا أو تصريحات متناقلة عبر الإعلام كفيل فى تقديرنا بالتوصل إلى حلول وسط مرضية لكل الفرقاء بشأن القضايا الثلاث الرئيسية المختلف حولها فى الدستور القادم، وسيكون بوابة مهمة للتوافق حول بقية النصوص التى لا يوجد بشأنها اختلاف كبير.

<<<
أما عن كيفية التصرف فى النصوص التى يمكن التوافق حولها فى هذا اللجنة بعد إقرارها فى ظل الإعلان الدستورى الذى يحدد مراحل محددة للانتخابات وصياغة الدستور، فإن هناك ثلاثة طرق لذلك. الأول وهو اقتراح من المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض، أن يضيف المجلس الأعلى للقوات المسلحة النصوص التى تم التوافق حولها بشأن القضايا الثلاث إلى الإعلان الدستورى بما يجعلها وجوبيا ضمن أى صياغة للدستور الجديد لا تخرج عنها. الثانى وهو أن يعاد تفسير نص المادة (60) من الإعلان الدستورى وهو «يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى فى اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال ستة أشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويُعرض المشروع، خلال خمسة عشر يوما من إعداده، على الشعب لاستفتائه فى شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء». ويقضى هذا التفسير الجديد ــ ونرجو أن يكون صحيحا ــ بأن تنصرف كلمة «الانتخاب» الواردة فى النص ليس إلى قيام أعضاء المجلسين بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، بل إلى قيامهم بالإعداد للانتخاب بإصدار قانون أو تشريع جديد يحدد طريقة انتخابهم واختيارهم بصورة مباشرة من الشعب المصرى وليس من المجلسين، بما يرفع الحرج الدستورى بشأن قيام البرلمان بصياغة الدستور وهو ما يتناقض مع الأعراف الدولية فى هذا الشأن ومع قضاء المحكمة الدستورية العليا التى تعيد صياغة الدساتير إلى الشعوب وليس إلى البرلمانات.

<<<
وأما الطريق الثالث فهو مرتبط بالقضية الثانية وهى العزل السياسى القانونى المؤقت لقيادات وأعضاء الحزب الوطنى المنحل. فهذا العزل ليس مقصودا فى حد ذاته بل إن المقصود منه هو معاقبة من أفسدوا الحياة السياسية فى البلاد لثلاثين عاما وإفساح الطريق فى الوقت نفسه لقوى الثورة لكى تبنى نظامها السياسى الجديد بدون تدخل هؤلاء فى تشكيله. وهنا فإن واحدة من آليات تحقيق هذين الهدفين هى القائمة الانتخابية الموحدة لقوى الثورة فى انتخابات مجلسى البرلمان يمكن أن تشكل الطريق الثالث لتجاوز أزمة صياغة الدستور، وذلك بأن يتم تبنى برنامج موحد للقائمة يكون من ضمن نصوصه الحلول الوسط التى تم التوافق حولها فى اللجنة المقترحة بشأن قضايا الخلاف الدستورى الثلاث.

أما عن بقية وسائل تحقيق الهدفين السابقين بالإضافة للقائمة المشتركة، فإن الأولى منها هو حصر المنع من الترشيح والانتخاب لمدة خمس سنوات على كل من صدر ضده من أعضاء مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية من أعضاء الحزب الوطنى منذ انتخابات المجالس المحلية عام 2002 أية تقارير ببطلان الانتخابات من محكمة النقض أو أحكام من محاكم القضاء الإدارى، وهو ما يشمل الغالبية الكبيرة من قيادات الحزب المنحل. والمنطق وراء هذا الاقتراح بالاستناد إلى القضاء فى العزل السياسى المؤقت هو نفسه منطق الثورة التى لم تلجأ إلى القضاء الاستثنائى حتى فى محاكمة رأس النظام وكبار أعوانه وإحالتهم جميعا لقاضيهم الطبيعى، فضلا عما يفوته ذلك من مبررات لقيام المعزولين لو تم التوسع الاستثنائى فى عزلهم بالسعى إلى استخدام شبكاتهم العائلية والاجتماعية والمصلحية فى بث الفتنة وتخريب الانتخابات البرلمانية القادمة وبخاصة فى المناطق الريفية والشعبية. وأما الوسيلة الأخيرة لمعاقبة ومنع قيادات الحزب الحاكم السابق من دخول البرلمان القادم فهى الإصرار على تطبيق نظام القائمة الانتخابية للأحزاب والمستقلين فى الانتخابات القادمة دون وجود أى مقاعد فردية، لأن ذلك سيتكفل بتفتيت أى جهود لقيادات الوطنى المتبقية والقادرة على الترشيح للتنسيق فيما بينهم وسيدفعهم إما إلى عدم الترشيح أو إلى تشكيل قوائم متنافسة تتصارع وتأكل بعضها مفسحة الطريق أمام قائمة قوى الثورة الموحدة لكى تحصل على الأغلبية الساحقة من مجلسى البرلمان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved