للصائم فرحتان

شوقي علام
شوقي علام

آخر تحديث: السبت 20 يونيو 2015 - 11:10 ص بتوقيت القاهرة

أخرج الإمام مسلم من حديث أبى هريرة ــ رضى الله عنه ــ أنَ النبى صلى الله عليه وسلم قال: للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه.

وفى رواية: وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه.
قال الحافظ ابن رجب ــ رحمه الله: أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك فى وقت من الأوقات، ثم أبيح لها فى وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعا.

من الملاحظ على كثير من الناس أنه يظن أن الصيام وآدابه وأخلاقه محصورة بفترة الصيام لا تتجاوز ما بين طلوع الفجر إلى مغيب الشمس، فإذا أفطر تخلى عن كل المعانى الروحية والقلبية للصيام، وانغمس فى الشهوات والملذات، وهذا مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ينبغى على الصائم بعد فطره أن يكون قلبه معلقا مضطرِبا بين الخوفِ والرجاءِ؛ إِذ ليس يدرِى أيقبل صومه فهو مِن المقربِين، أو يرد عليهِ فهو مِن الممقوتِين، وليكن كذلِك فِى آخر كل عبادة يفرغ منها.

فقد روى عن الحسن البصرى أنه مر بقوم وهم يضحكون بعد الإفطار فقال: إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب فى اليوم الذى فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسىء بإساءته؛ أى كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك.

وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له: إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك، فقال: إنى أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه.

وعلماء الآخرة يعنون بالصحة القبول، وليس مجرد تحصيل الأركان والشروط الظاهرة. وبالقبول يكون الوصول إلى المقصود، ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية، والاقتداء بالملائكة فى الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منزهون عن الشهوات.

والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها، فكلما انهمك الإنسان فى الشهوات انحط إلى أسفل السافلين، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة، والملائكة مقربون من الله عز وجل، والذى يقتدى بهم ويتشبه بأخلاقهم، يقرب من الله عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب، وليس القريب بالمكان بل بالصفات.

وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأى جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك فى الشهوات الأخرى طول النهار، ولو كان لمثله جدوى فأى معنى لقوله صَلَى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ: كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَوْمِهِ إِلَا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ؟
وقال بعض العلماء: كم من صائم مفطر، وكم من مفطر صائم.

والمفطر الصائم هو الذى يحفظ جوارحه عن الآثام، ويأكل ويشرب، والصائم المفطر هو الذى يجوع ويعطش ويطلق جوارحه.

وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته. ولما تلا قوله عز وجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وضع يده على سمعه وبصره فقال: السمع أمانة والبصر أمانة، ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم فليقل إنى صائم أى إنى أودعت لسانى لأحفظه فكيف أطلقه بجوابك ومبادلة السيئة بالسيئة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved