مواعيد حاسمة

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: السبت 20 يونيو 2015 - 11:10 ص بتوقيت القاهرة

أمامه فرصة لا تعوض فى المسافة ما بين (٣٠) يونيو و(٦) أغسطس للإعلان عن نظامه وحسم خياراته وبناء قاعدة توافق وطنى على قدر كبير من الصلابة.

الموعد الأول، الذكرى الثانية للحدث الكبير الذى غير معادلات السلطة والنفوذ وترتبت عليه حقائق واستحقاقات بعضها صعبة والأخرى مريرة.

والموعد الثانى، افتتاح قناة السويس الموازية على مشهد من العالم، فبعد المهرجانات تبدأ الحسابات عن حدود الذى أنجزناه وعوائده.

كان لافتا أن الرئيس لم يتحدث فى (٨) يونيو، اليوم الذى تسلم فيه مهامه قبل عام بالضبط.

باعتقاده أن موعد كشف الحساب لم يحن بعد، وهو نفسه طلب مهلة عامين قبل مثل هذا الحساب.

فى هذا اليوم وقع على وثيقة انتقال سلطة مع الرئيس الانتقالى المستشار «عدلى منصور» سجل فيها التزامه بثورتى «يناير» و«يونيو» والشرعية الدستورية، وكانت فكرة الوثيقة لا سابق لها فى نقل السلطات من رئيس إلى آخر.

غير أن عامه الأول شهد أشرس هجوم ممنهج على «يناير»، وهو ضرب مباشر فى جذر الشرعية، واصطناع خصومة بين الثورتين كأن «يونيو» ثورة مضادة.

أول ما يجب حسمه فى (٣٠) يونيو أن يعلن أين يقف؟

هناك ملفان حساسان ينتظران شيئا من الحسم.

الملف الأول، أزمة الدولة مع شبابها.

وهذه أزمة متفاقمة تساؤلاتها تضغط على الضمير العام.

لم يفض العفو الرئاسى عن (١٦٥) محكوما وفق قانون التظاهر إلى فك أية احتقانات.

الذين أعدوا قائمة العفو هندسوها أمنيا لا سياسيا.

افتقدت القائمة إلى أية معايير تشرح لماذا اختيرت أسماء واستبعدت أخرى.

فى قضية «متظاهرى الاتحادية» أفرج عن ناشط سياسى، وهذا إيجابى، غير أن العفو تجاهل المتهمين الآخرين فى نفس القضية كأنه عقاب إضافى.

الرئيس وعد أكثر من مرة باستخدام حقه الدستورى فى العفو عن «متظاهرات الاتحادية»، وأعمارهن فى حدود العشرينيات، أسوة بالإفراج القضائى عن «فتيات ٧ الصبح» اللاتى ينتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين.

رغم ما هو منسوب لفتيات (٧) الصبح من قطع طرق وترويع مارة بالإسكندرية فإن صغر سنهن شفع لهن أمام الرأى العام قبل منصات القضاء.

الأمر أقل وطأة فى حالة «فتيات الاتحادية» اللاتى اتهمن برفع لافتات أمام القصر الجمهورى تندد بقانون التظاهر وتطلب الحرية للموقوفين لكن لا صغر سنهن شفع فى دوائر الأمن والسلطة ولا وعود الرئيس تحققت.

هناك أصوات بدأت ترتفع تقول وتؤكد أن كراهية الشباب المسيس تفوق جماعة الإخوان المسلمين نفسها.

وهذا استنتاج شبه مؤكد من قائمة العفو الرئاسى.

لقد خلت من أية أسماء معروفة لنشطاء وناشطات من قوى مدنية ويسارية وحفلت بأسماء تنتسب للجماعة تورطت فى العنف وأوغلت فيه.

العفو بذاته إيجابى غير أنه افتقد أية رسالة سياسية لقوى (٣٠) يونيو لتلملم جراحها وتوحد جبهتها.

بحسب معلومات أولية فهناك توجه رئاسى لإصدار قوائم عفو تالية تشمل محكومين آخرين.

إذا لم يحدث ذلك فالمعنى سوف يكون مدمرا لأى تماسك وطنى ممكن.

بعض القضايا مأساوية تماما مثل محاولة قلب نظام حكم الرئيس الأسبق «محمد مرسى» التى يقبع فى السجون بسببها «محمد عراقى» وآخرون.

الرئيس نفسه أصابه الذهول وهو يستمع إلى وقائع هذه القضية ومع ذلك لم تشملهم قائمة العفو.

على هذا المنوال يتعرض آخرون للظلم الفادح خلف أسوار السجون.

بقدر التقدم فى الذكرى الثانية لـ«يونيو» بخطوات إيجابية فى ملف الشباب المحبوس فإننا يمكن التطلع لتأسيس مرحلة جديدة تعيد النظر فى قانون التظاهر وفق ملاحظات المجلس القومى لحقوق الإنسان وترتب تفاهمات تحتفظ بالحق الدستورى فى التظاهر دون استخدامه لحين تراجع الإرهاب وأخطاره حتى لا تختلط الأوراق.

التفاهمات غير الإملاءات والتوافق غير القمع، وهذه كلها أمور ممكنة بالوسائل السياسية وحدها.
الملف الثانى، العدالة الاجتماعية.

على نحو ما أبدت الدولة شيئا من الحذر فى الاندفاع إلى رفع الأسعار عن السلع الرئيسية خشية ردود فعل سلبية قبل ذكرى «يونيو» واحتفالات «أغسطس».

غير أن الحذر الأمنى لا ترادفه مراجعات حقيقية للسياسات والتوجهات.

لا يمارى أحد فى أهمية تخفيف فاتورة الدعم عن الطاقة غير أن السؤال الرئيسى هو من يدفع تكاليفها.

ليس ممكنا أن يقدم الرئيس على خطوة راديكالية ثانية فى رفع الدعم عن أسعار الطاقة دون أثمان باهظة على مستقبل حكمه وصورته أمام شعبه.

فى المرة الأولى أبدى عامة المصريين استعدادا للتحمل بأمل أن يروا أمامهم نظاما جديدا أكثر عدلا وأقل ظلما فإذا بهم يرون الماضى يطل من جديد على المشهد الاقتصادى.

بقدر ما يحسم فى ملف العدل الاجتماعى ويضرب فى الفساد الكبير يمكنه مرة أخرى أن يراهن على تضحيات المصريين.

أكبر تحدياته بعد (٣٠) يونيو ألا يخسر ظهيره الشعبى المدعو إلى اعتبار قناة السويس الموازية صفحة جديدة فى تاريخه.

كل ما يفيض من أصوات وأضواء فى افتتاح جديد شبه امبراطورى لقناة السويس قد يتبدد إذا لم يكن هناك معنى سياسى يدمج المصريين فى الاحتفال.

المعانى السياسية لا تصنعها الدعايات الصاخبة ولا شركاتها التى تنظم الاحتفالات.

القرارات قبل الاحتفالات حتى يدرك المصريون فى هذا اليوم أن صنع مصيرهم عاد إليهم.

على مرمى البصر من هذا اليوم هناك حقيقتان كبيرتان.

أولاهما، أن إخفاقه فى مهمته هو إخفاق للبلد كله قد لا يتحمل وطأة أثقاله.

بمعنى آخر فهو ليس من حقه أن يخفق أو أن يتوقف فى المنتصف لا يحسم ما يتوجب حسمه.

وثانيتهما، أن العالم الذى يشاركه احتفالات الافتتاح لديه الاعتقاد ذاته لأسباب أخرى.

إخفاقه يعنى بالضبط انجراف المنطقة إلى فوضى أوسع وإرهاب أشد يهدد الإقليم كله ويضرب بالعمق المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية المتنفذة.

ما بين الحقيقتين أزمات لا يستهان بها لكنها قابلة للتطويق إذا ما أخذ قوة الدفع إلى أقصى ما يستطيع، أن يكتسب ثقة مجتمعه فى إدارته لمصالحه العليا وأن يجبر فى الوقت نفسه الأطراف الدولية على النظر إليه كممثل حقيقى لبلد تضرب حضارته فى عمق التاريخ.

الجملة التى بادره بها نائب الرئيس اليمنى «خالد بحاح» عندما التقاه فى قصر الاتحادية تلخص الفرصة التى قد تهدر ما لم تسندها قرارات وإجراءات: «لقد اشتقنا إلى مصر».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved