حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة في العمل العربي المشترك.. شروط القيادة.. قيادة أم مشروع: أين تكمن المعضلة؟

وحيد عبدالمجيد
وحيد عبدالمجيد

آخر تحديث: السبت 20 يونيو 2020 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

في مواجهة التحديات والعقبات التي تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة فى العمل العربي المشترك، دعت «الشروق» عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التي يجب توافرها في دولة أو ائتلاف عربي يتولى مهام القيادة في النظام العربي ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربي الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق في دولة البحرين الدكتور علي فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة في سلسلة مقالات « حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة في العمل العربي المشترك.. شروط القيادة» تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر «الشروق».

التاريخ لا يُعيد نفسه إلا في صورة مأساة أو ملهاة. هذا ما كتبه كارل ماركس قبل أكثر من قرن ونصف القرن، في كتابه القصير الممتع "الثامن عشر من برومير – لويس بونابرت". وثبتت صحة رؤية ماركس هذه، التي طرحها في سياق تحليله وصول لويس بونابرت إلى السلطة في فرنسا عام 1851، وتقويض الديمقراطية الجمهورية الثانية التي أعقبت انتصار انتفاضة 1848، مثلما فعل نابليون بونابرت حين صعد إلى الحكم عام 1804 وألغى الجمهورية الأولى التي نتجت عن انتصار ثورة 1789. وتضمن هذا التحليل نقد مفهوم هيجل بشأن تكرار التاريخ، أو إعادة إنتاج الصورة التاريخية، وتفنيد فكرة أن ما حدث في 1851 تكرار لما وقع في 1804.
لا يمكن، إذن، تصور مستقبل أمتنا، ومن يتصدى لقيادتها نحو عمل مشترك، استناداً إلى تجارب تاريخية. وليس في الإمكان تخيل إعادة إنتاج مفهوم "الدولة القائد"، سواء انطلاقاً من خبرة خمسينات القرن الماضي وستيناته، أو اعتماداً على تقديرات مختلف عليها لأوزان البلدان العربية اليوم. الزمن اليوم غيره تماماً قبل ستة عقود أو سبعة. وليست منطقتنا فقط التي اختلفت، بل العالم الذي تغير كل شيء فيه تقريباً من علاقاته الدولية والإقليمية إلى أنماط حياة البشر اليومية. وربما يُعد التغير الذي حدث في العقود الثلاثة الأخيرة أكبر، وأوسع نطاقا، مما حدث في ثلاثة قرون سبقتها.
ومن أهم جوانب هذا التغير ازدياد غير مسبوق في دور الإنسان الفرد، وقدرته على التأثير بدرجات متفاوتة قد يكون أدناها في بلدان أمتنا بعد إخفاق معظم الثورات والانتفاضات التي حدثت في عدد كبير منها.
غير أن تدني نصيب هذه البلدان من بعض أهم جوانب التغير الذي يشهده العالم الآن، لا يكفي لاستمرار النظر إلى مستقبل أمتنا انطلاقاً من المفهوم الهيجلي المتعلق بتكرار التاريخ، أو مواصلة البحث عن مخرج من حالة الانحطاط التي أُدخلت فيها أمتنا عبر التنقيب في دفاتر باتت قديمة.
***
لم يعد لمفاهيم من نوع الدولة- القائد مكان في زمننا هذا، وصار ضرورياً الكف عن اختزال الدول في سلطات أو أشخاص، وتذكر معنى الدولة من حيث أنها تتكون من شعب وإقليم وسلطة. صحيح أن السلطة، أي الحكومة بمعناها الضيق أو نظام الحكم بالمعنى الأوسع، هي التي تحدد الاتجاه في الدولة، خاصة حين يكون الشعب مغلوباً على أمره ومحروماً من المشاركة في إدارة أمور البلاد. غير أن هذا الوضع لا يستقيم في زمننا، ولا يملك مقومات الاستمرار لفترات طويلة. ولذا، يحسن ألاَّ نبقى مشدودين إلى الماضي عند التفكير في المستقبل.
وبرغم أن د. علي فخرو ينطلق من خبرة مرحلة الخمسينات والستينات بما لها وما عليها في مناقشته قضية قيادة العمل العربي المشترك، تنطوي أسئلته عن المشروع الذي يلتزم به من يتصدى لقيادة الأمة على إدراك حجم التغير الذي حدث في عالمنا ونوعه.
ولا يتضح هذا فقط في السؤال السياسي المتعلق بمدى الاستعداد لتحمل ما أسماه (تبعات التحاق نضالي صادق بتطلعات ومطالب جماهير الشعوب العربية ونضالاتها من أجل الحرية والكرامة الإنسانية والاستقلال القومي والانتقال إلى نظام ديمقراطي عادل). فالحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية مكونات أساسية في المشروع الذي يحلم به لمستقبل أمتنا، ويقول إنه متناقض كلياً مع أي نظام ديكتاتوري. ويدعم هذا المعنى ما ورد في سؤال الاجتماع بشأن ما إذا كان الراغب في التصدي لقيادة الأمة نحو عمل مشترك مستعداً لأن تكون (المواطنة وحكم القانون الشرعي والإنساني والفرص المتساوية هي الحكم بين الناس، وهل سيساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات الاجتماعية بصورة شاملة)، وربما أُضيف أن تكون هذه المساواة حقيقية، وليست شكلية.
وهذا جديد لم يكن مطروحاً في خبرة الخمسينات والستينات، حين كان العالم غيره الآن، وحيث لم تكن للحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان الأهمية التي تحظى بها الآن، بعد أن أصبح الأفراد في موقع أقوى من ذي قبل في كثير من أنحاء العالم، وازداد وزن الشعوب في تحديد الاتجاهات التي تمضي فيها بلدانهم. وهذا ما ينبغي أن يكون عماد أي مشروع عروبي، حتى إذا كان التغير الذي يحدث في العالم ويزيد أهمية قيم الحرية والكرامة والديمقراطية محدودا في بلدان أمتنا.
كما نجد ما يدل على حاجتنا إلى هذه القيم في سؤال د. فخرو عن الأساس الاقتصادي للمشروع العروبي، والذي يلخص فيه الفرق الجوهري بين اقتصاد ريعي تابع، واقتصاد إنتاجي ومعرفي عادل يؤخذ فيه بعين الاعتبار ظروف الفقراء والمهمشين، ويوفر الرعاية الاجتماعية، ويهدف إلى تقليص الفروق بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، ويضع هدف العدالة الاجتماعية فوق كل هدف اقتصادي واجتماعي، حسب تعبيره.
***
تنطوي أسئلة د. فخرو، والحال هكذا، على رؤية للمشروع الذي يسميه من يشاركونه هذه الرؤية نهضوياً. وهذا ما تستحقه شعوب أمتنا التي حُرمت من المشاركة في تحقيق نهضة أمتها، بسبب سوء اختيار حيناً، وسوء حظ حيناً آخر، ونتيجة تحالف سلطات ابتلعت الدول مع أصحاب ثروات اختزلوا الاقتصاد في مصالحهم، فضلاً عن التداعيات المدمرة للمشروع الصهيوني الذي أربك الأمة، وعرقل التطور الطبيعي فيها، منذ أربعينات القرن الماضي.
إن أية نظرة سريعة على حال أمتنا اليوم تكشف انحطاطاً تاريخياً يجعل الحاجة شديدة إلى هذا المشروع النهضوي. ولكنها تُبين في الوقت نفسه أن وقتاً قد لا يكون قصيراً سيمضي قبل أن تتوفر مقومات هذا المشروع، ويتيسر التحرك باتجاهه من خلال مشاركة شعبية واسعة في بلورته وتفعيله. فالقضية الآن ليست من يقود العمل العربي المشترك، بل كيفية توفير مقومات المشروع النهضوي الذي يحدد اتجاه هذا العمل. وحين تتوفر هذه المقومات ستكون الأوضاع قد صارت مهيئة لأن تؤدي الشعوب دورها المحتجز الآن. وفي هذه الحال، سيتبلور نموذج جديد لعمل عربي تشترك الشعوب والحكومات في قيادته.
فإذا أردنا أن نقلل الأخطاء في المرة القادمة، مقارنة بخبرة الخمسينات والستينات، وفق ما ختم به د. فخرو مقالته، يتعين السعي إلى عمل مشترك على أساس مشروع نهضوي نبنيه من أسفل إلى أعلى، وليس العكس.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved