سلاح قوي لو أحسنّا استخدامه

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 20 يونيو 2020 - 10:55 م بتوقيت القاهرة


تخيل أنك مسؤول عن المرور في مدينتك وأحد القرارات التي يجب أن تتخذها هو تحديد اتجاه المرور في شارع معين، فماذا ستفعل؟ أو إذا وجدت إختناقات مرورية متكررة في ميادين معينة، فكيف ستحل هذه المشكلة؟ أو أنك تخطط لمدينة جديدة، فكيف ستخطط الطرق وإتجاه المرور في كل شارع فيها؟ قد تخطط للاعتماد على ذوي الخبرة في تلك الموضوعات وقد تنفذ بعض نصائحهم أو قد تميل لاستخدام نظريات رياضية للوصول إلى أفضل الحلول. فهل هذا يكفي؟

ماذا عن المعارك الحربية؟ هل يمكن التنبؤ بنتيجة معركة معينة؟ كيف يمكن التفكير في كل السيناريوهات الممكنة؟ كيف يمكن تجربة خطط مختلفة لإختيار الأفضل؟

إذا ذهبنا إلى صناعة الدواء فكيف نعرف تأثير دواء معين ونكتشف آثاره الجانبية؟ التجارب على الحيوانات ثم التجارب السريرية هي الحل، لكنه حل مكلف ويحتاج وقتاً طويلاً كما نرى اليوم ونحن ننتظر لقاح الكورونا ومصله على أحر من الجمر، فهل هناك حل آخر؟ (ملحوظة: لا تظن أني سأكشف عن حل سحري لكوفيد-19، فلن أفعل!)

ماذا عن تخطيط زراعة المحاصيل الزراعية وما هي أفضل المحاصيل بالنسبة لنوعية معينة من التربة ولمناخ معين؟ ما هي أفضل أنواع الأسمدة؟ هنا أيضاً الخبرة والتجربة تلعبان دوراً كبيراً، ولكن هل يكفيان؟

كل هذه الأمثلة وغيرها الكثيرتقود إلى سلاح قوي وفعال لو أحسنا استخدامه وطورناه: المحاكاة (simulation). المحاكاة هي استخدام أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة لمحاكاة أمر ما في الحياة ثم إعطاء نتيجة هذا الأمر. يستطيع الكمبيوتر محاكاة حركة السيارات والمارة في الشوارع وإعطاء نتائج عن الإختناقات المرورية في مختلف أوقات اليوم، ثم نستطيع تغيير إتجاه المرور في شارع معين مثلاً ثم نجعل الكمبيوتر يعيد المحاكاة لنرى تأثير التغيير على الاختناقات المرورية.
المحاكاة تستخدم أيضاً لدراسة الخطط الحربية ومحاكاة معركة حربية بين جيشين والتنبؤ بالخسائر المتوقعة لكل جيش وهو نوع من المحاكاة يسمى (war games) وكلما كانت المعلومات التي نغذي بها الكمبيوتر دقيقة كلما كانت المحاكاة أكثر دقة والتنبؤ أقرب إلى الحقيقة.
المحاكاة تستخدم أيضاً لمعرفة تأثير دواء معين على الجسم. قد تقول لو كان الأمر كذلك فلم نضيع الكثير من الوقت في التجارب على الحيوان ثم تجارب سريرية قد تستغرق سنوات على البشر قبل تصنيع لقاح؟ السبب الأساسي أننا نفتقر إلى شيئين: أولاً معلومات دقيقة جداً عن الجسم البشري والخلايا وتفاعل المركبات الكيميائية، فالعلم يكشف الجديد كل يوم. السبب الثاني أنه كلما زادت المدخلات وزادت دقتها كلما إحتاج الكمبيوتر لوقت أكبر في المحاكاة والوصول إلى نتيجة، حتى أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة الموجودة في عصرنا هذا ليس لديها القدرة بعد على تلك المحاكاة الدقيقة للجسم البشري التي لا نحتاج بعدها إلى تجارب سريرية أو تجارب على الحيوان. هل سنتغلب على هذين السببين في المستقبل؟ من يدري؟

للوصول إلى محاكاة دقيقة نحتاج إلى شيئين إذا: معلومات دقيقة عن الأجزاء المتفاعلة؛ مثل أعداد السيارات والمارة في الشوارع ونحتاج إلى أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة، وكلما زادت المعلومات زاد الإحتياج إلى أجهزة أسرع. في السنوات الأخيرة أصبح الذكاء الاصطناعي يستخدم في نظم المحاكاة لرفع كفاءتها ودقتها ولإسراع المحاكاة.
نظم المحاكاة في تطور مستمر لأنك عندما تحصل على نتيجة المحاكاة فإنك تطبقها على أرض الواقع وتقارن النتائج الحقيقية بنتائج المحاكاة ثم تدخل تحسينات على برمجيات المحاكاة أو تتعرف على المعلومات الجديدة التي تحتاجها لجعل المحاكاة أكثر دقة.

هل عندنا القدرة على بناء نظم محاكاة في مصر؟ الإجابة هي نعم. قلنا أننا نحتاج إلى أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة ونحتاج برمجيات المحاكاة والمعلومات التي تستخدمها تلك البرمجيات. إذا فنحتاج مهندسي كمبيوتر لبناء تلك الأجهزة أو تجميعها بدلاً من استيرادها من الخارج كما أشرنا في مقال سابق.
بالنسبة للبرمجيات فنحتاج أولا علماء في الرياضيات لوضع المعادلات الرياضية المستخدمة في نظام المحاكاة ثم نحتاج مبرمجين ومطوري برامج يستطيعون كتابة برمجيات مخصصة لأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة (فهي تختلف عن البرمجيات العادية).
وحيث أن أجهزة الكمبيوتر وبرمجياتها لا قيمة لها دون المعلومات المدخلة إلى الكمبيوتر فنحتاج إلى علماء بيانات (data scientists) وهي من المهن التي إكتسبت أهمية كبرى في عصرنا هذا المعتمد على البيانات الكبرى (big data) والذكاء الاصطناعي، فعالم البيانات هو المسئول عن تجميع البيانات واختيار ما يصلح منها وما لا يصلح ووضعها في هيئة يستطيع الكمبيوتر استخدامها.

مصر تخطو خطوات جادة في مجال الذكاء الاصطناعي ولديها مبرمجين مهرة وعلماء رياضة أفذاذ والباقي هو تخريج جيل يستطيع بناء جهاز كمبيوتر فائق السرعة ومبرمجين متمرسين على كتابة برمجيات له والإهتمام بتدريس علوم البيانات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved