عن صنف لا تعرفينه من الرجال!

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 20 يوليه 2019 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع درج مقالا للكاتبة «باسكال صوما» وجاء فيه ما يلى:

قال لى أحدهم قبل أن أسافر بيوم واحد: «ستعودين برفقة رجل أوروبى وسيم». لكننى أكدت له أننى لن أتحمّل برودة أعصابه، وقلتُ إننى أفضل الرجال السمر. لا أعرف لماذا نرغب دوما برجال غاضبين راغبين بتحطيم العالم من أجل تفاحة، رجال يخاطبون النساء بتفوّق جينى قاتل، ويريدون ركل العالم بأقدام سمراء وأيدٍ بأصابع ضخمة، تهدّ الجبال.
هنا تكتشف الواحدة صنفا آخر من الرجال، يدخل مفهوم آخر إلى رأسها، وتقع حرب مع كل ما ورثته واكتسبته من مفاهيم. يتبيّن أن هناك رجالا غير مخيفين.
تنظر الواحدة إلى قلبها، تجده مملوءا برجال مغتصبين، متحرّشين، يثيرون الريبة والرعب، رجال تخشى معهم الحرام والحلال، تخشى الجلوس مع أحدهم فى غرفة واحدة، وتخشى مسك يد من أياديهم الخشنة الضاربة. هناك دوما شيطان ما سيدخل فى اللحظة الرهيبة تلك. إنه قلب مدجج بالصور القاتمة عن قصص قاصرات، سُرقن من اللعب من أجل رغبة رجل بائس، وأخريات مُتن تحت الضرب، وغيرهن زُوّجن لمغتصبيهنّ.
قلب كهذا لا يحتمل رجلا عاديا، ينظر فى العينين. تجد تلك الواحدة نفسها غير قادرة على التفاهم مع رجل يستأذنها قبل أى شيء، ويعتذر ببساطة، ويدارى ويمشى من حولها بخفة حتى لا يزعجها، وحتى لا يتطفل على حياتها. كيف تحبّ الواحدة رجلا غير عنيف، أو على الأقل لا يأتى من بيئة عنيفة وأفكار وحشية عن الرجولة وعن الحب؟
كيف تتحدّث الواحدة مع رجل لا يعانى من أزمة وجود مع النساء، ولا يسعى إلى تدمير التى يحبّها فيما يحبّها؟
إنها مسألة شاقة حقا. تخيلى أنّ فى العالم الآخر رجلا منشغلا جدا بصيد السمك، على رغم أن الشاطئ يعجّ بنساء نصف عاريات. لكنّ النساء فى نظره لسن كلهن احتمالات علاقات، ولسن سمكا يسعى إلى اصطياده طوال الوقت.
***

فى القطار إلى دوترموند التقيت رجلا يتكلم الفلمنكية وبعض الفرنسية. المهم أننا التقينا فى بعض الجمل الإنجليزية. أخبرنى أنه يملك شركة للإلكترونيات لها فروع فى أكثر من دولة أوروبية، ثم تابع يحدّثنى عن موجة الحرّ التى تضرب أوروبا. استغرقنا فى الحديث عن الطقس وعن الاحتباس الحرارى. وضحكنا حين قلت له إنّ أوروبا قررت أن تتحول إلى إفريقيا، احتفالا بوصولى.
لو أنّ الرجل ذاته كان من جنسية عربية، لكان تحوّل الحديث طبعا إلى محاولة إثبات وجود، محاولة تأكيد الأهمية والعظمة والسيادة، من رجل غنيّ وصاحب سلطة، وعلى أى امرأة أن تعلق فى شباكه. وأظنّ أنّ رجلا كهذا لو كان لبنانيا مثلا، لكان اختفى خلف نظارته الشمسية الغبية وبزته «السموكن»، ورفض التحدّث إلى الناس، وتحوّل إلى لاهث خلف نساء البوتوكس الفارغات وحسب.
وصلنا إلى ألمانيا وتبادلنا سلام الوداع. انتبهت أننى لم أسأله عن اسمه، ولا أخبرته عن اسمى. كانت نزهة لطيفة مع رجل لم يكن راغبا سوى بالتحدّث وبعض الضحك مع فتاة التقاها ثم افترقا، بسلام وهدوء. لا أسماء، لا أرقام هواتف، لا عناوين، لا محاولات تعقّب، لا أسئلة بوليسية، لا نبش للنسب والأصل والفصل، لا تحليلات، لا إنشاء، لا معلّقات، لا قصائد، لا ضرورة لتجلسى جيدا أو ترفعى القميص أو تخفى ساقيك أو تبتسمى بحياء (بإمكانك أن تنفجرى من الضحك لو أردتِ)، لا ضرورة لتخبريه عن ماضيك وتبرريه، إنه لن يسألك أصلا إنه رجل يحترمك بكل الأحوال، وليس لديه على فكرة أى خيار آخر.
***
أخبرتنى صديقتى وهى تسكن فى باريس منذ طفولتها أنها مغرمة برجل لبنانى. قالت إنه مدهش، ويتصل كثيرا ويسأل كثيرا ويلاحق التفاصيل ويغار كمجنون. يبدو أن اللعنة قد وصلتها، إذ أنهت حديثها بجملتى تلك: «لا أتحمّل برودة أعصاب الأوروبيين!».
لا أعرف حقا أى صليب أثقل على النساء العالقات فى المنتصف مثلى، تحمّل برودة رجل أوروبى، أو العيش مع زمرة رجال معقّدين، غريبى الأطوار والرغائب، يبحث بعضهم فى نساء الأمّة عن أمهاتهم الخاضعات الساكتات المتحملات كل شيء والمستسلمات لكل شيء. فيما يريد آخرون نساء بأقل أضرار ممكنة، لا طموحات، لا علاقات سابقة، لا مزاجات، ويهرول الباقون خلف أشياء أكثر هشاشة، كالشفاة المنتفخة مثلا أو الشعر الأشقر الطويل الذى يغطى رأسا لا ينفع لشيء.
الرأفة للعالقات فى المنتصف!

النص الأصلي

http://bit.ly/2LXWohH

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved