يوليو و«أمراء الانتقام»

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 20 يوليه 2020 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

عشية الاحتفال بالذكرى الثامنة والستين لثورة 23 يوليو 1952، يعود السؤال القديم الجديد، ماذا بقى من هذه الثورة، وهل لايزال لها تأثير على حياة المصريين، وعلى دوائرها الثلاث «العربية والإفريقية والإسلامية»؟.. فعلى الرغم من مرور كل تلك السنوات يتم استدعاء الثورة، وزعيمها جمال عبدالناصر، ويجرى التقليب فى دفاتر وسجلات حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين لعلنا نمسك بخيوط غابت أو غيبت بفعل فاعل معلوم أو مجهول.
بداية لم تكن ثورة يوليو مجرد حركة لتغيير رموز الحكم من معتمرى القبعات أو الطرابيش بوجوه شابة من ضباط الجيش من أصحاب الكابات بتعبير المؤرخ الكبير الراحل يونان لبيب رزق، الذى رأى فى ثورة يوليو استجابة لتحديات كانت تواجه مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وليست قفزة فى الهواء لحفنة من المغامرين كما يدعى «أمراء الانتقام».
فقد كانت ثورة يوليو ترجمة عملية لروح هائمة ظلت تحلق فى سماء مصر، بحثا عن الحرية والكرامة الوطنية المهدرة على يد ملك فاسد ومحتل بريطانى غاصب، وسعيا لعدل اجتماعى مفقود مع سيطرة الإقطاع والرأسمالية المستغلة على مقدرات وادى النيل، فيما يرزح الفلاح والعامل والسواد الأعظم من المصريين تحت الثالوث اللعين «الفقر والجهل والمرض»، فجاءت الثورة لكسر قيود، وتحطيم أغلال، وفتح نوافذ الأمل للحد من الظلم وردع الظالمين.
خاضت يوليو معارك شتى فى الداخل والخارج من أجل تحقيق أهدافها فى العدل الاجتماعى، والانحياز إلى البسطاء، فكانت قوانين الإصلاح الزراعى فى 9 سبتمبر 1952 أى بعد شهرين فقط من قيام الثورة، لتصحيح معادلة مجتمع النصف فى المئة لصالح الـ 99.5%.
ثم كانت معركة بناء السد العالى لحماية مصر من الفيضانات وتنظيم حركة نهر النيل وتخزين المياه وراء بحيرة ناصر التى تثبت معركتنا الحالية مع إثيوبيا إلى أى مدى كانت نظرة ثورة يوليو بعيدة عندما اتخذت من الدائرة الإفريقية مجالات للحفاظ على حقوقنا المائية، وعدم تحويل ورقة المياه إلى نصل فى خاصرتنا الجنوبية، فلم يكن الخروج المصرى إلى الفضاء الإفريقى ومساندة حركات التحرر الوطنى فى القارة السمراء عبثا.
وعندما يذكر السد العالى تحضرعلى الفور معركة تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثى الغاشم الذى شنته فرنسا وبريطانيا إسرائيل، وأعجب حاليا ممن ينادون بكل تبجح لإعادة تمثال النصاب الفرنسى المدعو ديليسبس إلى قاعدة عند مدخل القناة فى بورسعيد، لأنه من التاريخ كما يزعمون، فى الوقت الذى يتجاهلون فيه تاريخهم وتضحيات أجدادهم الذى دفعوا أرواحهم ثمنا لتحرير بلدهم من الاستعمار ورموزه البغيضة.
وفى الدائرة العربية ساندت يوليو ثوار الجزائر وأبناء اليمن، ودافعت عن القضية الفلسطينية، وقفت بجوار كل شقيق عربى طلب عونها، وهو الأمر الذى يفسر لماذا سارع الأشقاء فى ليبيا إلى مطالبة مصر بنصرتهم فى وجه المحتل التركى الذى جاء من وراء البحار لنهب ثرواتهم، تقوده أوهام خلافة دفنها التاريخ منذا أيام «الرجل المريض».
خاضت ثورة يوليو عشرات المعارك، نجحت فى بعضها، وأخفقت فى البعض الآخر، وخاصة فى يونيو 1967، غير أن كل تلك المعارك لم تكن بحثا عن زعامة، أو رغبة فى الاستحواذ على دور إقليمى أو دولى، بمقدار ما كانت استجابة لتحديات هى قدر مصر الكبيرة فى الدور والمكانة التى يدفع الشعب المصرى عادة ثمن التخلى عنها من حريته وثرواته، وهو ما يحتاج لنظرة منصفة ممن يسارعون، أحيانا بحسن نية، إلى الرقص فى زفة بعض المرجفين الذين لا يزال رهاب يوليو يتملك نفوسهم المريضة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved