ما معنى أن تكون شريكا حقيقيا لحزب الله؟

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الإثنين 20 يوليه 2020 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا للكاتب «الفضل شلق»... نعرض منه ما يلى.
فى حين كان الثوار يهتفون للهوية الوطنية الجامعة والعيش المشترك، كانت أحزاب أمل وحزب الله والتيار الوطنى الحر ترفع شعارات الهوية الطائفية وتمارس أفعالا قمعية. اعتقد هؤلاء أن الطائفية تحميهم وتبقيهم أهل السلطة. خافوا ليس على سلطتهم وحسب، بل على سلطتهم على من كانوا ومازالوا يعتبرونهم جماعتهم. أرادوا أن تبقى البيئة الطائفية حاضنة، وأصروا على تغذية الشعور بالطائفية والاستعلاء على الآخرين. بالنسبة إليهم، انتماؤهم الطائفى وحده كفيل بأن يجعلهم على عداء مع الثورة، مدافعين عن السلطة، مستخدمين للعنف. والحقيقة أن الثورة هددت مواقع أهل السلطة ولم تهدد هؤلاء الجموع من الفقراء الذين اندفعوا من الأحياء الفقيرة، مشاة أو راكبى دراجات، ليمارسوا عنفا ضد المتظاهرين. عنفا لم تمارسه الأجهزة الأمنية. لم يكن نقاش أو حوار بينهم وبين المتظاهرين. كانت لديهم فقط شعارات الهوية الطائفية والتباهى بممارسة العنف ومظاهر القوة الجسدية. لم يكونوا أهل نقاش. ولم يكونوا مدربين على ذلك.
الأمر المؤلم حقا أن فريقا من اللبنانيين، لنقل المتظاهرين، كانوا ينادون بشعارات مطلبية تتناول حياة المواطنين اليومية، وهدر كرامتهم، ومحاولات إفقارهم الناجحة. أما الفريق المقابل، فلم يكن لديه سوى شعارات تأكيد الهوية الطائفية. حتى فريق التيار الوطنى الحر لم يرفع شعارات وطنية. وكأنهم كانوا يشعرون أن شعارات العيش المشترك وشعارات الوطنية اللبنانية تهدّد وجودهم الطائفى على رأس السلطة. بالنسبة إليهم، الطائفة هى السلطة، والسلطة هى الطائفة. غيرهم من اللبنانيين ليس هما بالنسبة إليهم. فليذهبوا إلى الجحيم. ظنوا أن بإمكانهم وحدهم إعادة تشكيل السلطة. وهذا الأمر أدى إلى تشكيل حكومة حسان دياب. حوّلوا مطلب «حكومة اختصاصيين وخبراء حياديين« إلى حكومة مستشارين وموظفين لديهم شهادات عالية واستعداد كامل لتنفيذ الأوامر، لا ممارسة السياسة والنقاش والحوار والعمل على بناء وإطلاق عجلة الإنتاج. السلطة تعنى لهم المغانم. والمغانم تأتى عن طريق تعيين مدراء فى السلطة، وإطلاق بعض مشاريع البنية التحتية التى لا تخدم إلا مناطق وطوائف من لون معيّن، حتى ولو لم تكن ذات جدوى اقتصادية (سد المسيلحة قرب البترون؛ وهذا السد لم يتحمل تخزين المياه فى السنة الأولى من تشغيله). يضاف إلى ذلك الوقوف بصلابة ضد مشاريع البنية التحتية ذات الفائدة الوطنية. إلى الآن، لا تفسير معقولا لمعارضتهم توسيع مشروعى دير عمار والزهرانى الكهربائيين، علما بأن المعملين مهيآن منذ بداية التخطيط لهما فى تسعينيات القرن الماضى لهذه التوسعة، من دون استملاكات إضافية. كان بالإمكان التوسعة فى هذين المعملين وتزويد كل الوطن بالطاقة الكهربائية طوال أيام السنة، و24/24 ساعة يوميا. الإصرار على معمل سلعاتا كان مطلبا طائفيا بامتياز. لو أنشئ لاحتاج إلى تجهيزات إضافية (محطات تحويل) وتعديلات فى شبكة خطوط التوتر العالى.
باختصار فريق السلطة كان مسيطرا على وزارة الطاقة لأكثر من 15 عاما وكان بإمكانه حل مشكلة الكهرباء بأقل من مليار دولار. أما قطاع المياه التابع لهذه الوزارة، فقد دُمِّرَ وصارت معظم بنايات بيروت وغيرها تتزوّد بالمياه عن طريق الصهاريج. كما كانت هناك عصابات محسوبة على أهل السلطة لوضع مولدات كهربائية فى الأحياء تحل مكان نظام الكهرباء الممتد على مدى الوطن؟ إن فى الأمر خصخصة للأمر الواقع. فهل كانت وراءها مصالح طائفية وشخصية؟ الأخطر هو إحلال تجهيزات محلية مكان الشبكات الوطنية. خصخصة الأمر الواقع. نيوليبرالية مشوهة.
***
هذه سلطة إنتاج الأزمات. أزمة فى كل قطاع وفى كل زاوية؛ والسلطة تنتج كل أزمة. الحجة هى أن الآخرين من المعارضين وغيرهم يعرقلون السلطة ولا يفسحون المجال لها للعمل والإنجاز. إنتاج أزمات؛ تدمير كل القطاعات؛ فقدان ثقة؛ انهيار اقتصادى واجتماعى؛ كل ذلك من أجل أن تتدنى أسعار الممتلكات والعقارات المبنية وغير المبنية من أجل أن يشتريها أصحاب المال الوفير بأسعار بخسة. الأزمات مفتعلة من أجل تشليح الناس ممتلكاتهم ليحدث التراكم البدائى والوحشى عند أصحاب السلطة والمال. خطاب زعمائهم يخلو من الحلول. وما الدعوة إلى العودة إلى القرى والزرع سوى محاولة لتفادى الجوع والمجاعة لأنهم يعرفون ويخططون لما هو آتٍ. لا يمكن أن يحدث كل ما يحدث وأهل السلطة غافلون. التجاهل موضع شبهة، والشبهة تدفعنا إلى الشك بنواياهم؛ نواياهم ضد شعبهم؛ هم لا يتجاهلون ثورة 17 أكتوبر وحسب، بل يتجاهلون شعبهم. تجريده من مكتسباته، تجريده من ممتلكاته، تجريد الدولة من ممتلكاتها فى سبيل التملّك بتشليح الناس ممتلكاتهم وسلخ الدولة عن قواها وعن ممتلكاتها، وهل يظنون بأنه سيبقى غير هيكل عظمى سقيم؟
فريق منهم يريدون مواجهة الإمبريالية الأميركية. ليتهم يفهمون معنى الإمبريالية. لكن المواجهة تتطلّب أكثر بكثير من شعب فقد القدرة على البقاء. فقدان هذه القدرة سياسة مبرمجة لا بدّ أن واضعيها لديهم تصوّرهم عن البلد ويريدون تحقيقه بغض النظر عن إرادة الشعب، وبغض النظر عن ضرورات البقاء فى دولة ذات قوام. فريق آخر منهم يعتقد أن الدولة غير موجودة. هى موجودة لكن يريدونها مريضة؛ هيكلا لا محتوى ولا مضمون له سوى أفكارهم وتخيلاتهم البائسة. نموذجهم المرغوب هو الدولة الغربية، أما عندنا فهى دولة كولونيالية متخلفة مستباحة غير عابئة بهموم الناس ومطالبهم. فى كل دول العالم فساد؛ الفرق بين دول الغرب ودولتنا أنهم هناك يسرقون ويفعلون ما يفيد الناس، وهنا يسرقون ويقفون عقبة فى وجه مشاريع تفيد الناس. الرأى العام مهم لديهم والفساد جانبى أو ثانوي؛ أما عندنا، فإن الفساد هو الأساس بينما الرأى العام جانبى أو ثانوى. السياسة هناك لها مدى أكبر وأوسع. السياسة عندنا ضامرة هشة. مظهر خارجى أو مجرد تهريج. حكومتنا الراهنة مثال أعلى للتهريج. مجرد واجهة لنظام جوهره مأساوى، وظاهره كوميدى. هى على كل حال تنبثق من نظام أحزاب السلطة التى تريد حكومة واجهة لا حكومة تحكم. لكن وجود هذه الحكومة ينضح بما يضمره أهل السلطة وأحزابها. ليس حقيقيا القول بعدم وجود الدولة. الحقيقة أن الدولة موجودة، وهى التى يريدها أهل السلطة. هم يصنعونها الآن؛ يصنعونها على شاكلتهم. عدم تأمين الكهرباء مثال فاضح. أما السدود التى بنيت ولا تجمع المياه، فهى غائبة عن السمع.
***
بدت السلطة وكأنها تلوّح بالأصبع الوسطى تجاه الشعب عند تعيين هذه الحكومة. واضح أن جماعات الاحتجاج لم تستخدم وسائل العنف. لم يكن بمقدورهم ذلك. العنف كان حكرا على المعادين للثورة وعلى قوى الأمن. جماعات الاحتجاج كان لديها الكثير من المطالب والقليل من البرامج. لكن صوتهم كان عاليا ومسموعا. لكن أحزاب السلطة كان لديها مشروع أساسه البقاء فى السلطة، وعدم الاكتراث لمطالب المحتجين أو الثوار. وعلى الأقل حزب الله من بين أحزاب السلطة كان لديه، وما يزال، مشروع للمنطقة فى المشرق العربى. من الأجدر أن يعلن هذا المشروع، وأن لا يتكلم عن نفسه وكأنه يفتقد إلى المشروع، وإلى فقدان الخبرة فى الدولة. 15 سنة فى الوزارة كافية لتعليم وتدريب أى حزب على دهاليز السلطة مهما كانت قدراته العقلية. وهو داعم كبير للحكومة الحالية. ويدعمها لمساهمتها فى إثارة الأزمة لا إدارتها. لولا رضا حزب الله عن هذه الحكومة لكانت سقطت فى يوم واحد.
هى حكومة إثارة الأزمات، مدعومة من حزب الله، وبالتالى من حليفه التيار الوطنى. وهو الأكثر براعة فى المشاكل والأكثر لؤما واستفزازا. هل يعقل أن يكون برى وحزبه مجرّد إطفائيين للحرائق. المشروع الوحيد والفاعل فى الدولة اللبنانية هو عند حزب الله. هو مشروع للدولة اللبنانية. يحق لهم ذلك لكن واجبهم الإفصاح عنه ومناقشته مع مواطنيهم الذين لا يجوز أن يُتركوا فى العتمة والظلام. تمنّع حزب الله كثيرا عن الصيرورة إلى حزب سياسى. أصروا على لقب «المقاومة» مع أل التعريف. العيش سويا فى لبنان وفى أى بلد فى العالم يتطلّب السياسة أى الانفتاح. انفتاح الناس على بعضهم البعض. هل يستطيع حزب الله ذلك أم يصر على أن يبقى تنظيما مغلقا كتعبير عن ثقافة مغلقة. لا تهم مسألة السلاح بقدر ما يهم الانفتاح بعد سنين من الانغلاق الذى ربما جرتهم الظروف إليه.
فى الصراع الدولى حول لبنان، حزب الله هو المعنى بذلك. نريد أن نكون إلى جانبه، ونريد الدفاع عنه، على الأقل نريد المشاركة فى ذلك. لكن نريد أن نعرف فيما نشارك وعما ندافع. سنكون على قدر كبير من الغباء إن شاركنا ودافعنا عن شىء لا نعرف عنه شيئا. واجهة محاربة الفساد للتعمية. هناك مشروع لدى حزب الله حول الكيان اللبنانى، وحول الدولة اللبنانية. هل يريدوننا مشاركتهم، أو على الأقل محاورتهم ونقاشهم أم نبقى فى الظلام؟ ممارسة السياسة بمعناها الكبير ليست عيبا، بل هى المطلوب. ربما كانت هى المطلوب الوحيد من أجل سوية لبنان.
من حقنا أن نعلم. لسنا ممن يقصرون فى المواجهات ضد الإمبريالية. العيش المشترك كمواطنين هو المطلوب، لا التعايش كطوائف.
النص الأصلى: 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved