أبعد من الآن..

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 20 أغسطس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كيف نتعلم أن نسامح ونتسامح؟ كيف نتوقف لحظة عند اللحظة ونحاول أن نرتفع فوقها أو بعدها أو أن نتخطاها فى خطوات إلى الأمام.. نفكر أبعد منها.. نسترسل فى استحضار نيلسون مانديلا الراقد الآن فوق سرير المرض والشيخوخة ذاك المعلم الكبير فى فن أن تتسامح وأن تعلو فوق اللحظة وان تمحو التاريخ المؤلم عبر مراحل من العدالة الانتقالية وليس الانتقام والتشفى!!! أن تعلو وتسمو فوق اللحظة هو الأمر الأكثر صعوبة والأسهل هو أن تسقط فيها أى فى اللحظة ذاتها حيث الدم هو الحاسم وحيث الانسان لا قيمة له تذكر إلا كرقم فقط!!! كثيرا من الدم هو.. لا يمكن أن نغفر للدم أو أن نقسمه.. هذا دم أكثر نقاء من الآخر.. هم قالوا ذلك يوما ولا يزالون عندما أعماهم التعصب وأغوتهم الكراسى التى لم يدركوا أنها متحركة كالرمال...

نبتعد عنها قليلا، ليس فقط عن اللحظة بل عن الواقع المعاش بداخل القبيلة أو العشيرة ألا تزال هى تعيش بداخلنا؟؟ أم إنها عالقة بجلدنا.. فكثير ما نتصرف بحرية مطلقة وبما بعد الحداثة متصورين أننا قد خلعنا قبليتنا إلى الابد ثم فجأة نعود لنكتشف أنها أكثر عمقا من كل ما تعلمناه من الكتب والخبرات والتجارب.. وأن ذهنيتنا لم تبتعد كثيرا عن تلك الخيمة فى الصحراء أو فوق سفح الجبل.. القبيلة ليست صحراوية فقط بل هناك قبائل فى مدن الحداثة أكثر منهم فى مدن الملح!!!

●●●

لا تزال هناك مساحة لنتعلم من جديد ونتعلم سريعا حتى لا نخسر الوطن أو نبقى فى مستنقعات الدم الطاهر.. كل هذا الدم حرام.. هو الوطن يبقى قادرا على احتضان الجميع.. هو الوطن الذى من أجله خرج الجميع مرات ومرات.. هو نفسه متعطش لا لدم ابنائه بل لحوارهم الهادئ فوق ضفاف نهرهم وبحرهم ورمال صحرائهم..

وعلى الضفة الاخرى وقف اولئك من بعيد يصدرون الاحكام، كم سهل أن تقول ما تشاء وأنت تجلس على حافة مدينة عبرت قرونا من المظالم والحروب واستقرت الآن لا تعرف الدم والاقتتال من أجل وطن.. فعلت ذلك قبلا قامت بذلك قبل سنين طويلة ودفعت الكثير من أجل أن تصل إلى هنا حيث الكلمة هى الأقوى ولا شئ يعلو فوق صوت الحوار، من السهل أن تطلق التسميات كما تشاء على ما يجرى بعيدًا عنك بالألف كيلومتر وأن تعرف ما يجرى بعيدا.. هناك وليس هنا وأنت تقرأ صحيفتك الصباحية على الاى باد وتمضغ خبزك المحمص والمطلى بالزبدة الطازة ومربى الكرز وخارج نافذتك لا شئ سوى امتداد درجات الخضار الطبيعى وتغريدات العصافير.. من السهل أن تتوقف عند الخبر ـ فدمنا فى نهاية الأمر ليس سوى خبر ضمن سلسلة من الأخبار فى صحف الصباح ـ وتمص شفتيك كم هم حمقى، همج، متخلفون.. تتوقف لتقول هذه ليست ثورة فنحن من علمنا العالم كيف يثور عندما ارسلنا المقاصل ضد كل من اختلف معنا حتى الأقرب لنا فحولنا شوارع عاصمة الأزياء والفن إلى بحر من الدم.. ها نحن الآن نقرر عن العالم، كل العالم ما هى الثورة وما هو الانقلاب!!! من السهل أن يكرر ذاك الجالس هناك بأنكم القادمون من التخلف والفراغ إلا من التشوهات التنموية التى قد توهمكم بأنكم قادمون إلى هذا العالم ستلتحمون به قريبا!!! من السهل أن يقف العالم أجمع كل الكون ليرفض اللحظة هذه بحجج مختلفة ليست كلها خوفا على الوطن القابع هنا فى داخل القلب بل ربما لأغراض اخرى فقد تعددت الأسباب والموت واحد.. ولكن من الصعب أن يبقى الجميع سجناء اللحظة غير قادرين على استحضار العقل والحكمة التى تنظر ابعد منها.. أبعد من الآن..

●●●

تعود للحظة وقبل أن تتحرك لتفسر للعالم ما يجرى فيها عليك أولا أن توقف الدم كل الدم الذى لطخ وجه هذا الوطن رائع الجمال حتى لا يبقى مشوها..

 

كاتبة بحرينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved