سباق واختلاف على حماية غير مرغوب فيها

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 20 أغسطس 2019 - 11:30 م بتوقيت القاهرة

تبذل الولايات المتحدة الأمريكية جهودا حثيثة ومكثفة من أجل تشكيل تحالف دولى لحماية حرية الملاحة فى مضيق هرمز فى الخليج العربى، وفى باب المندب مدخل البحر الأحمر. ووجهت الدعوات لنحو 60 دولة من مختلف المناطق العربية والأوروبية والآسيوية وشملت إسرائيل، من أجل الموافقة على المشاركة فى هذا التحالف. وقام وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، ووزير الدفاع الأمريكى الجديد اسبر بعدة جولات لإقناع عدة دول بالتحالف وأهميته لضمان أمن وسلامة الملاحة خاصة لناقلات البترول فى منطقة الخليج العربى وذلك فى مواجهة التهديدات الإيرانية.
واستشهدت واشنطن بالحوادث التى تعرضت لها بعض ناقلات البترول من اعتداءات عليها، وبادرت واشنطن بتوجيه أصابع الاتهام إلى الحرس الثورى الإيرانى، وأنه مدعوم فى ذلك من النظام فى طهران، مؤكدة أنه لن يكف عن القيام بمثل هذه الأعمال والاستمرار فى عملية التصعيد وزيادة التوتر فى الخليج العربى، وبذلك يهدد التجارة ونقل البترول والغاز ما سيكون له آثار غاية فى السلبية على اقتصاديات ومصالح عدة دول وفى مقدمتها الدول الصناعية فى أوروبا وآسيا.
***
وتواجه واشنطن صعوبات كبيرة فى تكوين هذا التحالف نظرا لعدم رغبة كثير من حلفائها وأصدقاءها الدخول فى دائرة الصراع الأمريكى مع إيران، وبدت بعض هذه الدول مترددة فى حسم قرارها، والبعض الآخر أعرب عن رفضه للفكرة من أساسها، وكانت فرنسا وألمانيا من أوائل الدول التى رفضت الانضمام لهذا التحالف المقترح باعتبار أنه سيؤدى إلى مزيد من التصعيد والتوتر فى الخليج العربى، وأنه من الأفضل تخفيف وجود القوات العسكرية فى المنطقة، وأن باريس وبرلين سينسقان معا لتوفير حماية لسفنهم فى الخليج دون حاجة إلى إقامة تحالف يزيد من حالة الاحتقان مع إيران وسيعملان على فتح قنوات حوار بين كل الأطراف فى المنطقة لتخفيف حدة التوتر لصالح الجميع.
وكانت فرنسا وألمانيا يسعيان للتنسيق مع بريطانيا فى أواخر أيام حكومة تريزا ماى وخلال الأسبوع الأول من تولى الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة بوريس جونسون، وكان ثمة تجاوب بريطانى معهما رغم أن لندن قررت إرسال قطعتين بحريتين لحماية سفنها فى الخليج العربى عقب احتجاز إيران ناقلة بترول بريطانية ردا على احتجاز بريطانيا ناقلة بترول إيرانية فى مضيق جبل طارق، وتوتر الموقف بين لندن وطهران إزاء تمسك الأخيرة بالإفراج عن سفينتها مقابل إفراجها عن السفينة البريطانية. ولكن بعد عشرة أيام فقط من تولى حكومة جونسون أعلنت موافقتها على الانضمام إلى التحالف الأمريكى المقترح لحماية حرية الملاحة فى مضيق هرمز والخليج، مؤكدة أن هذا الانضمام لن يؤثر على بقاء بريطانيا مع الدول الأخرى فى الاتفاق النووى مع إيران، ولا شك أن وراء تغير موقف بريطانيا موضوع سفينتها التى تحتجزها إيران ورفض وزير خارجية بريطانيا الجديد دومينيك راب عرض إيران مبادرة السفينتين بأن تفرج إيران عن السفينة البريطانية، ومن ناحية أخرى رغبة بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطانى فى التقارب أكثر من الرئيس الأمريكى ترامب.
وقد انتهى أمر السفينة الإيرانية بالإفراج عنها بحكم قضائى من المحكمة العليا فى جبل طارق رغم إعلان ترامب أنه طلب عدم الإفراج عنها، وهو ما اعتبرته إيران نصرا سياسيا، وبدأت بعدها طهران إجراءات الإفراج عن السفينة البريطانية رغبة منها فى التهدئة مع الحكومة البريطانية الجديدة، ولكن أمريكا سارعت بإصدار حكم محكمة بمصادرة الناقلة الإيرانية بادعاء أنها تساعد الحرس الثورى الإيرانى الذى تصنفه واشنطن منظمة إرهابية. وهذا الإجراء الأمريكى قد يعطل عملية الإفراج عن السفينتين ويتأزم الموقف من جديد.
وقد أعلن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف أن واشنطن غير قادرة على تشكيل تحالف لحماية السفن التجارية فى الخليج، وأنه رفض دعوة للقاء الرئيس الأمريكى ترامب فى البيت الأبيض؛ لأنه لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات مع واشنطن طالما أنها تشهر السلاح فى وجه إيران. وقال الرئيس الإيرانى حسن روحانى إن بريطانيا تمارس الإرهاب الاقتصادى ضد إيران، وأن حكومته ستلجأ إلى تخفيض التزاماتها فى الاتفاق النووى، بل قد تضطر إلى الانسحاب منه إذا استمرت الدول الموقعة عليه فى عدم الالتزام بحماية المصالح الاقتصادية الإيرانية.
***
وأثناء وجود كل من وزيرى الخارجية والدفاع الأمريكيين فى أستراليا، أعلن رئيس الحكومة الأسترالية أنهم سيدرسون بشكل جدى الطلب المقدم من واشنطن للانضمام للتحالف المقترح، وأعرب وزير الخارجية عن رغبته فى أن تكون أستراليا شريكا بشأن بعض تحديات السياسة الخارجية الأكثر إلحاحا حاليا، مثل تحقيق الاستقرار فى سوريا وإبقاء أفغانستان خالية من الإرهاب، ومواجهة هجمات غير مبررة على عمليات الشحن الدولى فى مضيق هرمز.
وقد يكون من أهم أسباب رفض عدة دول الانضمام للتحالف الأمريكى المقترح:
• حرص كل من فرنسا وألمانيا على عدم زيادة تصعيد التوتر مع إيران، والإبقاء على العلاقات وقنوات الحوار معها حفاظا على استمرار الاتفاق النووى معها، وعلى المصالح التجارية والاقتصادية والاستثمار، مهما كان مستواها، والتى تطورت بعد توقيع الاتفاق النووى مع إيران ورفع العقوبات الاقتصادية الدولية عنها.
• عدم اقتناع برلين وباريس، ودول أخرى شركاء للولايات المتحدة فى حلف الناتو، بالمبررات التى ساقتها واشنطن لتبرير انسحابها من الاتفاق النووى مع إيران، ويرون أن هذا الانسحاب قد أحدث حالة من عدم الثقة والتوتر الشديد مع طهران دون مبرر، أصبح يهدد استمرار الاتفاق النووى الذى استغرقت المفاوضات للتوصل إليه سنوات طويلة.
• أن التصعيد العسكرى مع إيران لا يخدم المصالح المشتركة والأمن والاستقرار فى منطقة الخليج، ولن تكون نتائجه فى صالح أحد بما فى ذلك واشنطن ذاتها، وأنه من الأفضل لجميع الأطراف الدخول فى حوار لتسوية الخلافات القائمة.
• أنه من الأحرى أن تستجيب كل من واشنطن وطهران لمساعى الوساطة التى تقوم بها عدة أطراف إقليمية ودولية، والبدء بوقف التصعيد السياسى والاقتصادى والعسكرى، والسعى لبدء حوار حول بعض بنود الاتفاق النووى، وربما أيضا برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانى.
وواضح أن واشنطن لا تريد أن تدخل فى مواجهة مباشرة مع إيران وإنما من خلال هذا التحالف المقترح تجنبا لما قد تقوم به إيران من ردود أفعال ضد المصالح والوجود الأمريكى فى المنطقة سواء عن طريق القوات الإيرانية والحرس الثورى مباشرة أو عن طريق حلفاء إيران غير الرسميتين، وقد كان إسقاط إيران الطائرة الأمريكية المسيرة (درون) تجربة صعبة أحرجت واشنطن، كما أن ما أظهرته إيران من قدرة على احتجاز السفن سواء بالمعاملة بالمثل كما حدث مع بريطانيا، أو تلك الناقلات المتهمة بسرقة البترول الإيرانى، كلها تجارب عملية أقنعت واشنطن أن أية مواجهة أحادية مع إيران ستسبب لها خسائر وحرجا كبيرين ووجدت أن إقامة هذا التحالف هو الحل العملى الذى يخدم سياستها تجاه إيران.
وقد قامت روسيا، وسط هذا التحرك الأمريكى النشط، بدعوة سفراء الاتحاد الأوروبى والأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، ودول مجموعة بريكس، وعدة دول أخرى، إلى اجتماع مع نائب وزير الخارجية الروسى فى موسكو، حيث عرض عليهم مبادرة لإقامة نظام للأمن الإقليمى فى الخليج يشمل جميع الدول المطلة على الخليج وعدة أطراف دولية أخرى. وتضمنت المبادرة التى عرضها أهم النقاط التالية:
• تأكيد دول المنطقة والأطراف الخارجية التزاماتها الدولية، وتحديد التخلى عن استخدام القوة فى المسائل الخلافية، واعتماد الوسائل السلمية لتسويتها.
• أن تأخذ دول المنطقة على عاتقها التزامات متبادلة متعلقة بالشفافية فى المجال العسكرى، وإقامة خطوط ساخنة، وتبادل الإخطارات المسبقة حول التدريبات وطلعات الطيران وغيرها.
• توقيع اتفاقية للتحكم والرقابة على انتشار الأسلحة، واحتمال إنشاء منطقة منزوعة السلاح، وعدم تكديس الأسلحة المزعزعة للاستقرار خاصة مضادات الصواريخ، وخفض القوات المسلحة فى دول المنطقة.
• اتخاذ تدابير لتحول منطقة الخليج إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وخاصة الأسلحة النووية ومنع الانتشار النووى.
• إبرام اتفاقات مكافحة الإرهاب الدولى، والاتجار غير المشروع فى الأسلحة، والهجرة والاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة.
• إطلاق حوار لتقليص الوجود العسكرى الأجنبى، وإحراز تقدم فى إنشاء نظام أمن خليجى.
• إن الغرض الأساسى على المدى البعيد هو إنشاء منظمة للأمن والتعاون فى الخليج تشمل الدول الإقليمية وروسيا والصين والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى، والهند، وغيرها من الأطراف الدولية الأخرى كأعضاء أو مراقبين.
والحقيقة أن روسيا تدرك أن ما طرحته ما هو إلا مجرد مجموعة أفكار عامة ونظرية ليست بهدف التنفيذ أو الأخذ ببعضها أو معظمها، وإنما لمواجهة المسعى الأمريكى لإقامة تحالف لا ترغب فيه عدة أطراف أوروبية بل وخليجية عربية لعل منها عمان والعراق، ومن ثم يساهم الطرح الروسى فى مزيد من التشتيت والابتعاد عن الطرح الأمريكى حتى ينتهى إلى نفس المصير الذى انتهت إليه فكرة إقامة تحالف الشرق الأوسط (ناتو عربى) فى مواجهة إيران، وكانت معظم الدول العربية رافضة له حتى ثلاثى وعادت أمريكا بطرحها الجديد وهو أيضا غير مرغوب فيه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved