تعددت الأشكال والتمييز ضد المرأة واحد

نادين السيد
نادين السيد

آخر تحديث: الجمعة 20 أغسطس 2021 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

كتبت قبل أسبوع مقالا عن أهمية عدم التعرض لشكل المرأة الخارجى بالسلب أو بالإيجاب عند مناقشة إنجازاتها على الصعيد الرياضى أو غيره. ثم انهال سيل من التعليقات من نوعيات مختلفة. البعض طلب منى الرجوع إلى المكان اللائق بالمرأة ألا وهو المطبخ والبعض الآخر ذم فى شخصى. وتلك كلها تعليقات لا تستحق التطرق إليها.
لكن بعض التعليقات ناقشت فكرة أن الحجاب فخر يجب أن نعتز به، وأن المحجبات مضطهدات فى بعض الشواطئ الخاصة ولذلك يجب علينا الرد بالافتخار بأمثال المحجبات المشرفة كنوع من رد الاعتبار أو إثبات أن الحجاب لا يمنع صاحبته من تحقيق ذاتها. وهذه وجهه نظر تحترم.. ولكن!
من المثير للدهشة أن الأغلبية العظمى من تلك التعليقات كان أصحابها رجالا: وهنا يكمن لب المشكلة. لما عين المجتمع رجلا غريبا وصيا على لبس وهيئة المرأة؟ ولما هذا الهوس المجتمعى بزى المرأة؟ لا يسلم جانبنا أبدا من التعليقات على مظهرنا الشخصى: سواء بالمدح أو الذم. وبالمناسبة، فالبعض أخذ يعلق على صورتى الشخصية، أو يدعونى إلى الحجاب.
منع المحجبات من دخول أماكن معينة والادعاء أن الحجاب يعيق صاحبته عن تحقيق ذاتها هو وجه لنفس العملة التى تترك إنجاز لاعبة أولمبية وتناقش حجابها، ونفس ذات العملة التى تنمرت علىّ بسبب عدم ارتدائى للحجاب، ونفس العملة التى تجبر الكثير من النساء على ارتداء زى معين لتسلم من انتقاد المجتمع. عندما نناقش قضية منع المحجبات من دخول بعض الأماكن ــ وهو تمييز سافر ضد المرأة ــ يجب علينا ألا ننسى نوعا آخر من التمييز ضد المرأة: وهو ما تتعرض له غير المحجبات فى طبقات كثيرة من المجتمع من تنمر وانتقاد وذم فى شرفها، فقط لأنها لا تغطى شعرها. وتصنيف السيدات على أنهن محجبات أو غير محجبات هو فى حد ذاته تمييز ضد المرأة ويخلق انشقاقا مجتمعيا يزيد التمييز ضد الاثنين.
الهوس بزى المرأة وفرض زى معين عليها ــ سواء البوركينى أو البيكينى ــ هو آفة المجتمعات ووجهان لنفس العملة: تعيين المجتمع وصيا على مظهر المرأة وإغفال أنها كائن له أبعاد أخرى غير الجسد والمظهر الخارجى وله حرية اختيار المظهر.
لا يهتم المجتمع كون الرجل يرتدى لبس سباحة يتناسب مع الشريعة أو مايوه سليب. فلا نجد شاطئا خاصا يمنع الرجال من ارتداء المايوه الذى لا يكشف الركبة والسرة، ولا نجد على النحو الآخر مجتمعا ينتفض لظهور ركبة الرجل. ولا نجد المجتمع يتنمر على سيدة أو رجل غير منتظمين فى صلاتهم. وذلك لا يرجع للالتزام بالدين على صعيد، أو اضطهاد التدين على الصعيد الآخر، بقدر ما يرجع للهوس بجسد المرأة.
وهو نفس الهوس الذى يملى على المرأة معايير جمال تتغير بين كل جيل والآخر، ولا تملى على الرجل ربع هذه المقاييس. من أول سمك الحاجب، لنوع الشعر ورسمة الفم، إلى الوزن والطول ولون البشرة و.. و... و... منذ نعومة الأظافر ونرسخ فى ذهن الفتاة الصغيرة أهمية مظهرها فى تقبل المجتمع لها وتقديرها. وتكبر تحت هذه الضغوطات وتحاول إرضاء المجتمع والرضوخ لمعاييره القاسية. ثم تتعرض لضغوطات الرجوع إلى وزن ما قبل الحمل، ثم صبغ الشيب، ثم معالجة التجاعيد ومقاومة التقدم بالعمر، وتمضى حياتها فى محاولات مضنية لإرضاء مجتمع لا يمكن إرضاؤه، ومعايير مختلفة متغيرة ومربكة.
أنا لا أدعو لسفور المرأة أو ترك الحجاب، ولا أدعو لأى زى أيا كان: أنا أدعو لترك الخلق للخالق وأن ننظر إلى المرأة لشخصها وطموحاتها وإنجازاتها، وليس فقط لشكلها الخارجى. والأهم: أنا أدعو لعدم تعيين المجتمع بأكمله وصيا على مظهر المرأة بجميع أشكاله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved