الرباط المقدس

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 20 أغسطس 2021 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

الكثير من النصوص التى كتبها توفيق الحكيم فى المسرح والقصة القصيرة والرواية مستوحاة من الإبداع العالمى إلا قليل، والغريب أنه لم يكن يذكر مصادر أعماله وينسبها إلى نفسه خاصة التى تحولت إلى أفلام، وهناك تشابه واضح بين أقصوصة «طريد الفردوس» وبين مسرحيات عديدة وأفلام جان بول سارتر والفيلم الأمريكى «السيد جوردان»، أما ليلة الزفاف قصة قصيرة فهى مأخوذة بالضبط من رواية باسم «ملك الحديد» للكاتب الفرنسى جورج أرنوه، وقد تحولت إلى أفلام عديدة فى مصر باسم أكثر من مؤلف منها «حب وكبرياء» و«ارحم دموعى» ولم يكن الحكيم يذكر مصادره مثلما حدث فى المرأة التى غلبت الشيطان وحمار الحكيم وغيرهما.
فى عام 1959 شاهدنا فيلم الرباط المقدس بطولة صباح وعماد حمدى وصلاح ذو الفقار وعبدالسلام النابلسى إخراج محمود ذو الفقار عن رواية للحكيم بنفس الاسم وفى العام الأسبق قدم السيد بدير قصة مشابهة باسم كهرمان بطولة يحيى شاهين وهدى سلطان وفاروق عجرمة وهذا الفيلم لم يذكر فى عناوينه أنه مستوحى من الرواية العالمية «تاييس» تأليف أناتول فرانس الفائز بجائزة نوبل.
القصة فى هذه الأعمال تدور حول رجل دين وقور متقدم فى السن يقع فى غرام عاهرة بالغة الجمال يعرف أن أخاه وقع فى غرامها فيذهب لأنقاذه من مفاتنها فإذا به يقع فى غوايتها ويدخل عالم الخطيئة أما هى فإنها تتطهر وتتحول إلى مخلوق نورانى.
هذا هو ما رأيناه فى كهرمان حيث الراقصة فى أحد كباريهات التى تغرم بطالب جامعى وحينما يأتى أخوه من الريف لإنقاذه منها فإنه يقع فى غرامها وتموت بين ذراعيه ولعلنا نذكر نفس القصة تكررت بعد عشر سنوات 1969 فى فيلم «أبى فوق الشجرة» حين جاء الأب لإنقاذ ابنه من العاهرة وسقط فريسة لها.
فى رواية الرباط المقدس فإن الحكيم حول نفسه إلى قديس الإغريقى حبس نفسه باسم المفكر فى بيت مغلق النوافذ والستائر لا يكاد يعرف أى شىء عن العالم الخارجى إلى أن تدخل حياته زوجة لعوب يحاول أن يحل مشاكلها ويقع فى غرامها، لا شك أن السيناريو به الكثير من التفاصيل مثل قيام الزوجة تحطيم رأس الرجل الذى تحرش بها ومثل شخصية عبدالسلام النابلسى الذى يعاون راهب الفكر فى حياته ويمنع عنه دخول النساء إلى أن يضعف ويقع فى غرام هذه الزوجة.
من المعروف أن الرباط المقدس هى رواية نشرها الحكيم فى الخمسينيات وقد صور نفسه على أنه راهب الفكر المعروف من النساء على رأسه نفس الكاسكت المشهور به ويحمل عصا يتوكأ عليها وقد ظهر راهب الفكر هنا فى وجه عماد حمدى الذى بدا أنه يقول توفيق الحكيم راهب الفكر وأنه هذه القصة تخص توفيق الحكيم.
من المعروف أن الحكيم كان يميل إلى الظهور بشخصه كراهب فكر فى بعض الأفلام مثل فيلم «عصفور الشرق» الذى صوره قبل رحيله بشهور ويحدث به مواجهة مع ممثل اسمه نور الشريف يجسد شخصية الحكيم فى أحد أعمال الكاتب ويبدو الحكيم هنا أكثر حيوية من عماد حمدى فى الرباط المقدس ولا أعرف لماذا لم يفكر المخرج محمود ذو الفقار الذى أخرج للحكيم أكثر من نص منها «الأيدى الناعمة» و«الخروج من الجنة»، فى أن يستعين بالحكيم أن يجسد شخصية راهب الفكر فى هذا الفيلم وليس عماد حمدى الذى بدا تقليديا مهما ارتدى من الملابس الشهيرة التى اشتهر بها الحكيم ومنها البالطو والعصا والكاسكيت، ما يعنى كان على المخرج أن يقدم بعض جنونه وهو يسند للمؤلف قضيته التى حيرنا بها فى الحياة وفى أدبه وأعتقد أن النتيجة كانت ستصبح بالغة الترافة مثلما حاول يوسف فرنسيس أن يفعل فى عصفور الشرق.
الحكيم أعمال عديدة تحولت من المسرح إلى السينما أبرزها رصاصة فى القلب عن مسرحية 1928.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved