تُريد رئيسا للبنان؟.. فتشْ عن الناخب الأول!

طارق فريد زيدان
طارق فريد زيدان

آخر تحديث: السبت 20 أغسطس 2022 - 9:01 م بتوقيت القاهرة

مع اقتراب نهاية عهد الرئيس ميشال عون تُطوى صفحة من تاريخ لبنان السياسى. لا يمكن الحديث عن صفحة رئاسية جديدة من دون مراجعة للواقع الإقليمى والمحلى، مع أرجحية طاغية للعامل الخارجى. هذا ما علمنا إياه لبنان الحديث على الأقل. تجربة انتخاب رؤساء جمهوريتى «لبنان الاستقلال» (الأولى) و«لبنان الطائف» (الثانية) تحسم هذا الرأى. لا مؤامرة ولا احتلال. هذا واقع نظام ديموقراطى فريد من نوعه يعيش على التوازن الإقليمى والتوافق المحلى. اليوم العالم العربى يعيش بين بين. بين حالة اللا حرب واللا سلم. أما الوضع الداخلى اللبنانى فحدث ولا حرج. مما يستدرج التدخل الخارجى فى الاستحقاق الرئاسى على جارى العادة اللبنانية المستعصية.

مع نهاية كل عهد تتداول بين الناس بورصة للمرشحين الرئاسيين. تتوسع اللائحة قبل أن تبدأ بالتناقص مع اقتراب موعد الانتخابات. تتوزع بين ضابط متأهب وبيك ينتظر ومحام مستقل وبضعة مرشحين موسميين. مع باقة من أوراق الاعتماد بصيغة زيارات بعيدة عن الأضواء وبيانات وتصريحات تتطاير باحثة عن رديف إقليمى. يبقى الأساس أن الموضوع أكبر من طموحات فردية. المسألة ليست فى أى طائفة ينتمى إليها المرشح فقط، فالحكاية تبدأ من الطائفية السياسية ونظام المحاصصة فى السلطة وصولا إلى التأثير الخارجى. هنا نقول فتش عن الناخب الأول لا عن المرشح المؤهل.

الحديث عن الناخب الأول يدفعنا للتأمل فى التجارب الرئاسية السابقة. يستدعى التدقيق بالذاكرة الجماعية اللبنانية القول إن معظم رؤساء جمهورية لبنان الحديث جاءوا بالتوافق مع الخارج. مع بشارة الخورى كان توافقا بين الزعيم المصرى مصطفى النحاس باشا والرئيس السورى شكرى القوتلى. ومع الرئيس كميل شمعون بين الراعى الإنجليزى والرئيس السورى أديب الشيشكلى. ومع الرئيس فؤاد شهاب الأمريكيون والرئيس المصرى جمال عبدالناصر. ومع إلياس سركيس الأمريكيون والرئيس السورى حافظ الأسد. ومع الأخوين بشير وأمين الجميَل كان الأمريكيون والإسرائيليون. ومع رينيه معوض كان الأمريكيون والمملكة العربية السعودية والرئيس حافظ الأسد. ومع إلياس الهراوى وإميل لحود (العهد الأول) كان للسعوديين والسوريين الكلمة الفصل. ثم على إثر اتفاق الدوحة جاء قائد الجيش ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. لعل الاستثناء الوحيد فى الفولكلور الرئاسى هو الرئيس سليمان فرنجية الذى جاء بلعبة الأصوات (الفارق صوت واحد)، مما يقودنا إلى الاستنتاج أن الناخب الأول هو الخارج.

طبعا لا يمكن إغفال تجربة انتخاب الرئيس ميشال عون الذى وصل إلى كرسى الرئاسة ضمن تسوية رئاسية صيغت على عدة مراحل. بدأت بتفاهم معراب بينه وبين رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. لتستكمل مع الرئيس سعد الحريرى فى ما لقب بـ«التسوية الرئاسية» ٢٠١٦. وقبل كل ذلك اتفاق مار مخايل الشهير بين التيار الوطنى الحر وحزب الله فى العام ٢٠٠٦. تراكم من التسويات أمنت لميشال عون النصاب الميثاقى والقانونى فى مجلس النواب اللبنانى عام ٢٠١٦. لكن ما هكذا تورد رئاسة الجمهورية فى بلاد الأرز. ما فات عن المتفقين أن غياب التوافق الإقليمى دونه أكلاف. فما فائدة رئيس قوى لجمهورية ضعيفة؟

فى رحلة البحث عن الناخب الأول يحتار المرء فى ترتيب أيهم أكثر قدرة على التدخل، علما أن اللائحة هى ذاتها لم تتغير على مر العقود الماضية. من طهران المنشغلة بمفاوضاتها النووية واستمرار تفويضها لحليفها الإقليمى حزب الله، مرورا بواشنطن التى أصبحت ترى المنطقة من زاوية الحرب الروسية الأوكرانية وكل ما تحمله من تأثير على سوق الطاقة العالمى وسلاسل الإمداد الغذائية. وصولا إلى الرياض التى لا تريد أن تسمع بلبنان حتى ولو كان سمير جعجع مرشحا جديا.. أما باريس الطامحة لدور مستجد فى الشرق الأوسط فلم يلتقط فريق إيمانويل ماكرون أن فرنسا تتحرك فى الهامش الذى لم يتحول إلى نفوذ بالرغم من انفجار ٤ أغسطس 2020!

أولويات الدول المعنية تجعل الاستحقاق الرئاسى أكثر إبهاما. غير أن للاستحقاق قدرة فى جذب الانتباه الخارجى لا يمكن الاستهانة بها. لطالما كان لبيروت دور على الخريطة. يمتص لبنان تناقضات الإقليم ومحاوره. يمضغه ويهضمه ثم يعاد بثه فى المنطقة. إقليميا التناقضات تكبر. أصبحت الفجوات بين الحلفاء ضمن المحور الواحد أكثر اتساعا مع انحسار دور المحاور فى المنطقة. مما يلغى دور لبنان الوظيفى على الخريطة.. هنا يصبح السؤال عن أى رئيس يبحث الخارج؟ عن رئيس أكبر من الجمهورية؟ أم رئيس أصغر منها؟ لربما يصار إلى انتخاب رئيس فقط. تصبح المهمة عندها هى قتل الفراغ. الباقى تفاصيل من المنظور الإقليمى. تأليف حكومة جديدة تفصيل. ترسيم الحدود البحرية تفصيل. التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى تفصيل. وفى ظل غياب دور لبنان الوظيفى على الخريطة لا مانع من شراء ست سنوات إضافية من الاستقرار اللبنانى القلق.

إلا أن من يعرف لبنان جيدا يعرف أن التفاصيل تصبح قضايا أساسية فى لحظة أمنية مباغتة، وهو ما قد يحدث أيضا فى الأسابيع القادمة غداة خروج الرئيس ميشال عون من القصر الجمهورى من دون انتخاب خلف له. على حد وصف أحد المتابعين للاستحقاق الرئاسى أن المفرقعات النارية للمبتهجين بانتهاء العهد قد تثير استياء مناصرين لصاحب العهد المنتهية ولايته مما يؤدى إلى اشتباكات أهلية. وبالتالى تستدرج العالم كله. عندها يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود لكرسى الجمهورية الأول فى لبنان.

كاتب سعودى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved