المتحف العلمى الشخصى

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 20 أغسطس 2022 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

منذ عدة أيام سافرت إلى الإسكندرية وزرت مكانى المفضل وهو مكتبة الإسكندرية، زيارتى السابقة كانت فى يناير الماضى، هذه المرة كان هناك شىء جديد أضيف للمكتبة وهو متحف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، عندما تتجول فى هذا المتحف الصغير نسبيا فى المساحة، الكبير فى تأثيره وتتأمل المتعلقات الشخصية للكاتب الكبير تحس أنك تلمس شيئا من التاريخ وهو شعور مختلف وإن كان يتكامل مع قراءاتك لكتبه والكتب التى تتحدث عن الحقبة التى عاشها وأثر فيها وتأثر بها.
منذ عدة سنوات زرت مدينة تقع على بعد نحو ثلاث ساعات من باريس تسمى أمبواز (Amboise) وسبب زيارتى لتلك المدينة غير المعروفة نسبيا هو أنها تحتوى على البيت الذى عاش فيه ليوناردو دافنشى آخر ثلاث سنوات من عمره، هذا البيت به كتابات ورسوم بخط يده والأدوات التى يستخدمها فى تجاربه، كان هناك حجرة للقراءة فى منزله وحجرة أخرى للكتابة، كل شىء محفوظ كما تركه مع لوحات إرشادية تحكى قصته واكتشافاته وحياته.
ما الذى يجمع بين هذين المشهدين؟ إنه زيارة متحف مخصص لتخليد ذكرى شخص، منذ مدة كنت دائما ما أتساءل عن أهمية زيارة المتاحف المخصصة لأشخاص وأتهكم عمن يقضون وقتهم فى زيارة تلك المتاحف بدلا من زيارة متاحف مخصصة لموضوع معين مثل متحف التاريخ الطبيعى فى نيويورك، كانت أسئلتى التهكمية تدور حول: «وماذا سأستفيد من رؤية مكان نوم هذا العالم الكبير أو مكان شرب القهوة لذلك الفنان العظيم؟». الحقيقة ما زالت عندى بعض بقايا تلك السخرية لبعض تلك الأشياء لكن أصبحت أرى فوائد كثيرة لتلك النوعية من المتاحف المخصصة للأشخاص، فى هذا المقال سنتحدث عن تلك المتاحف وخاصة تلك المخصصة للعلماء مثل متحف العالم البريطانى الكبير مايكل فارادى الذى ترى فيه معمل العالم الكبير وكراساته التى يكتب فيها أفكاره وتجاربه بخط يده، هذا المتحف يقع بجانب الجمعية الملكية فى لندن.
ماذا نتعلم من تلك المتاحف؟ أولا هى مصدر كبير جدا (إذا أُحسن عرضها) لتشجيع النشء والشباب على حب المادة العلمية التى برع فيها هذا العالم الذى تزور متحفه، فأنت تعيش لعدة دقائق أو ساعات فى جو البحث العلمى لعالم كبير وهذا يعطيك طاقة كى تبرع مثله، ثانيا تعتبر تلك المتاحف مصدرا للمعلومات العلمية لأنك عندما تزور متحفا مخصصا لعالم فستتساءل أكيد عن أهمية اكتشافه؟ وهذا سيقودك بالقطع إلى أسئلة حول المجال العلمى الذى برع فيه، اللوحات الإرشادية فى تلك المتاحف ستعطيك البدايات وقد يدفعك هذا لطلب المزيد عن طريق القراءة أو مشاهدة محاضرات عن هذا الفرع من العلوم، ثالثا عندما تتجول فى منزل هذا العالم أو معمله وترى كتابات بخط يده بها أشياء مشطوبة أو ترى مكتبه غير منظم إلخ ستعرف أنه حتى العالم الكبير مجرد إنسان له أخطاؤه وضعفه، وهذا بالتالى سيقود إلى الإعجاب الصحى بالرموز، الإعجاب غير الصحى هو اعتبار هذا الرمز مثلا أعلى فى كل شىء ولا يخطئ فى أى شىء كأن تسأل موسيقيا كبيرا عن نوع دواء أو روائيا كبيرا عن اكتشاف علمى ظنا منك أنه طالما برع فى شىء فهو بارع فى كل شىء، وأخيرا المتحف هو مصدر للمعلومات التاريخية يضاف إلى ما نقرأه، التاريخ يصنعه الأشخاص ونظرة متفحصة لحياة هؤلاء الأشخاص عن طريق تلك المتاحف تجعلنا نفهمهم أكثر وبالتالى نقترب أكثر من فهم حدث تاريخى معين أو طريقة الوصول لاكتشاف علمى ما.
من كل ما سبق نرى أن الاهتمام بإنشاء تلك المتاحف ليس مجرد رفاهية علمية، بل هو ضرورة ملحة، أغلب ما نتعلمه فى هذه الحياة يأتى إلينا من خارج قاعات الدرس، والمتاحف عامة مصدر من مصادر التعلم بالغ الأهمية. كم سيكون مفيدا أن يكون عندنا متاحف للعلماء العظماء مثل أحمد زكى عاكف وأحمد رياض ترك وعلى مصطفى مشرفة وحسن أفلاطون ومحمود حافظ إلخ، لدينا كوكبة عظيمة من العلماء الذين أثروا الحياة العلمية وهم على أرض الوطن فلماذا لا نخلد ذكرهم عن طريق تلك المتاحف؟ عندنا متاحف لأم كلثوم وأحمد شوقى وطه حسين والكثير غيرهم من أهل الثقافة والفن فلماذا لا نهتم بأهل العلم أيضا؟
بالإضافة إلى كل ما سبق يجب ألا ننسى أن تلك المتاحف العلمية تعتبر قوة مصر الناعمة لأنها تعطى رسالة للعالم أننا عندنا عظماء فى مجال العلم مثلما عندنا عظماء فى المجالات الأخرى.
تاريخنا العلمى هو قوة دافعة للشباب كى يتعلموا ويبدعوا ويفتخروا فيجب الاهتمام به لأنه تاريخ كبير ومشرف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved