«النصف الحلو»
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 20 أغسطس 2024 - 6:55 م
بتوقيت القاهرة
نقرأ لبعض الأدباء قولهم إنهم يكتبون لأنفسهم فى المقام الأول، ولا يشغلهم كثيرًا أمر القارئ أو المتلقى لما يكتبون، وهو قول لا يمكن وصفه بالخاطئ بشكل مطلق، فلعلّ الوعى السائد فى المجتمعات المختلفة، يجد فى ما يكتبه هذا الكاتب أو ذاك خروجًا على ما هو مستقر من أفكار ومفاهيم وتصورات، وإذا كانت غاية الكاتب النهوض بمجتمعه وبالفكر فى وطنه أو أمته، فإن عليه التحلى بجرأة تجعله يصدم ما هو مستقرّ من أفكار، أصبحت عائقًا فى وجه نهوض الأمة المعنية.
وفى تاريخ فكرنا العربى قديمه وحديثه، أمثلة لا تحصى من فلاسفة ومفكرين استفزّوا السائد، لكن فكرهم رغم ذلك صمد وأحدث التغيير المنشود، رغم أن ما نالهم من الأذى فى أزمنتهم كان كبيرًا. ألم يُصلب الحلاج قبل ضرب عنقه، كما تعرض فلاسفة آخرون للتكفير والإساءة، بينهم جابر بن حيان، والكندى وابن سينا، والفارابى والرازى وابن رشد وغيرهم، وفى عصرنا الحديث لا يمكن نسيان ما تعرض له طه حسين من هجوم بعد صدور كتابه عن الشعر الجاهلى.
هذا الجانب يصحّ أكثر على مجال الفكر والفلسفة، وإن كان، فى بعض أوجهه، يطال الأدب أيضًا، ومن ذلك ما نالته من هجوم روايتا «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، و«وليمة لأعشاب البحر» للأديب السورى حيدر حيدر، لكن لو تأملنا فى أمر ردود الفعل تجاه هاتين الروايتين وسواهما لوجدنا أنها ليست ردود فعل جمهرة القراء، بقدر ما هى تدبير من جماعات لا تطيق الفكر المختلف، ولو أن الأمر تُرك للقراء وحدهم لكانت هذه الأعمال مرّت بهدوء، وبدون الضجيج المفتعل ضدها وضد كاتبيها.
يقودنا هذا إلى ملاحظة أن زعم بعض الأدباء أن القارئ لا يهمّهم حين يكتبون، تنطوى على مقادير من الاستعلاء والادعاء، فلمن يكتب الكاتب إذًا، إذا كان القارئ لا يهمّه، دون أن يعنى ذلك مجاراة مزاج القارئ، وإنما التمكن من مخاطبته بلغة وأسلوب يشدّانه إلى قراءة ما كتب، وبالتالى استخلاص ما أراد إيصاله من رسالة تتضمنه.
أجمل وصف لعلاقة الكاتب بالقارئ هو ذاك الذى قرأته للأديب المصرى أحمد الخميسى حين قال «إن القارئ هو النصف الحلو الذى يتمم الكاتب». وبالنسبة له، ككاتب، فإن القارئ شكّل على الدوام الوجه الوحيد المجهول الذى يقيم له وزنًا. يقول الخميسي: «عندما أكتب أتخيّل دومًا أن ثمة عينين تراقبان ما أسطره، وإن ثمة قارئ يلحّ علىّ أن أكتب الحقيقة.. قارئ لا أعرفه، لا أعلم ماذا يعمل، وكيف يُفكّر، لكنى أعلم أنه فى مكان ما يراقبنى وحينئذ أتذكر عبارة الروائى العراقى غائب طعمة فرمان: (أوصيتك يا قلمى ألا تخون ضميرى)».
حسن مدن
جريدة الخليج الإماراتية