الخادعون والمخدوعون

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: الأحد 20 سبتمبر 2009 - 10:01 ص بتوقيت القاهرة

 نحن فى مصر لا نعرف الخطوط المستقيمة. وفى معظم الأحيان نتجنب سلوك الطرق المباشرة ونؤثر استخدام العبارات المطاطة والسياسات المراوغة والأفكار الغامضة.

وفينا من يعتقد أن السياسة هى الالتفاف على الأهداف. والاكتفاء بالتلميح دون التصريح. والرضا بالمكاسب العاجلة حتى ولو ضاع ما بقى من حقوق.

فى مسألة العلاقات مع إسرائيل، يقع المصريون عموما والعرب خصوصا فى هوة عميقة من الاضطراب والشك والتخبط حول حدود هذه العلاقة، وأين تبدأ وأين تنتهى.

وفى ظل غمامة سوداء مظلمة من وعود السلام ومفاوضات التسوية، ومن الزيارات والمبادرات والمساومات، ومن علاقات التطبيع الخفية والمعلنة بين الرؤساء والحكومات والشركات ورجال الأعمال.. ومن الاجتماعات والمؤتمرات والندوات التى تعقد على المستوى الدولى فى إطار الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية، تختلط على الكثيرين حدود التعامل مع إسرائيل والإسرائيليين. سواء كانوا مواطنين عاديين أو دبلوماسيين أو صحفيين أو غير ذلك.. خصوصا بالنسبة لهؤلاء الذين تقتضيهم ظروف معينة مقابلة الطرف الآخر، أو الاحتكاك به، بأى شكل من الأشكال وعلى أى مستوى من المستويات.

لم يكن غريبا إذن فى سياق أوضاع قلقة مضطربة كهذه أن ينخدع الكثيرون بأحاديث السلام والمفاوضات التى لا تنتهى بين إسرائيل ومصر وبين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل وسوريا، برعاية أو وساطة أمريكية أو بدونها.. وهم يرون رؤساء إسرائيل ومبعوثيها وقوادها العسكريين ومجرمى الحرب منهم والسفاحين يزورون العواصم العربية، ويُستقبلون فيها بالأحضان وبأذرع مفتوحة.. وحتى فى أحلك الظروف عندما تجتاح الجيوش الإسرائيلية وتحتل مساحات واسعة من الأراضى العربية فوق التى تحتلها بالفعل، لا تتوقف السلامات والأحضان!

مثال ذلك، قبل أيام حين أصدرت الأمم المتحدة تقريرا لتقصى الحقائق عن الحرب التى شنتها إسرائيل فى غزة قبل شهور، وثبت منه ارتكاب قواتها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولكن هذا لم يمنع الدول العربية من استقبال نتنياهو وتصديق وعوده والحديث للمرة الألف عن مفاوضات السلام، بالرغم من رفضه تجميد الاستيطان!!

لماذا إذن لا تستقبل هالة مصطفى بصفتها الصحفية كرئيس لتحرير مجلة «الديمقراطية» سفير إسرائيل فى القاهرة؟

لقد اتضح أن جهات «سيادية» وهو تعبير ليس له معنى إلا فى مصر ــ حيث يميل المسئولون لاتخاذ قرارات يسهل التنصل من عواقبها ــ وافقت على استقبال السفير الإسرائيلى فى «الأهرام».

والوقائع كما ترويها هالة مصطفى أقرب للمنطق. فلابد أن تكون هذه الزيارة قد تمت بعلم المسئولين وبموافقة وترتيب جهات أمنية. وهى زيارة كما نرى ليست الأولى من نوعها، ولكنها لسوء حظ هالة مصطفى انكشفت وسقط عنها الغطاء، وتخلت عنها السلطات «السيادية» إيا كانت!

لا غرابة إذن فيما تنشره الصحف عن تسلل عدة آلاف من الشباب إلى إسرائيل بحثا عن عمل أو زواج أو مغامرة. فقد سبقهم إلى ذلك رجال أعمال وصفقات أسمنت وبترول وتبادل تجارى بالملايين تتم بطرق ليست بعيدة عن أعين الدولة وقوانينها.

من الواضح إذن أن المقاومة الشعبية ضد التطبيع، هى كل ما تبقى فى المواجهة مع إسرائيل. ولا تخرج هذه المقاومة عن قرارات المقاطعة التى تصدرها النقابات مثل نقابة الصحفيين وغيرها مثل الأطباء والتجاريين والمهندسين وبعض الكتاب والمفكرين.. وهذه الفئات هى التى استخلصت من التجارب عبر السنين ومن القراءة الدقيقة لوقائع التاريخ أن إسرائيل لا تريد السلام، وأنها لن تسمح بقيام الدولة الفلسطينية.. لأنها ستبذل كل ما فى وسعها لإفشال أى جهود دولية أو عربية لتحقيق السلام، أو لحل القضية الفلسطينية، حتى لو سعت أمريكا إلى ذلك! وقد أعلنت أمريكا بالفعل فشل مهمة ميتشيل فى محادثاته مع نتنياهو لتجميد الاستيطان.

ومن ثم فإذا اتخذت نقابة الصحفيين إجراءات لردع ومنع محاولات التطبيع التى يفلت بها بعض الصحفيين، فإنها بذلك توقف انهيار سدّ للمقاومة ضد الخضوع الكامل لأطماع إسرائيل.. وذلك فى مواجهة فئتين هما الأقوى تأثيرا ولكنهما تخدعان نفسيهما بخيوط واهنة من الأمل مثل خيط العنكبوت، للحصول على ثقة إسرائيل وإقناعها بالسلام. الأولى فئة المسئولين والدبلوماسيين الذين يستندون إلى أن أوراق اللعبة فى يد أمريكا. ومن ثم فإن كسب تأييدها كفيل بحل القضية.

والثانية هى فئة الباحثين والدارسين الذين يعيشون على توليد الأفكار ومناقشة الخطط وعقد الندوات وكتابة التقارير واستطلاع الآراء.. وهو فيما يبدو ما كان السفير الإسرائيلى يسعى وراءه!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved