مواطن عشوائى
كمال رمزي
آخر تحديث:
الأربعاء 21 سبتمبر 2011 - 9:05 ص
بتوقيت القاهرة
بصرف النظر عن الهجاء العنيف، نقديا، الذى لاقاه «اللمبى»، حقق الفيلم أرباحا لم تخطر على بال.
البعض وصف ذلك النجاح بأنه مجرد مصادفة، والمصادفة كلمة تقال حين لا تدرك قانون الظاهرة، أو الأسباب التى أدت لها. والآن، بعد ما يقرب من مرور عقد على ظهور «اللمبى»، وتوابعه، يمكن تلمس عوامل النجاح فى ثلاثة أمور: «اللمبى»، مواطن لا يملك هوية، غير معترف به أمام السلطة، مهمش، يتخبط فى حاضر بلا مستقبل. وضعه هذا يتماثل، جوهريا، مع قطاعات واسعة من مواطنين أغلقت أمامهم نوافذ الأمل. يطالعنا، فى المشهد الأول مترنحا، يحاول، عبثا، أن يتذكر الشطر الثانى من مطلع أغنية أم كلثوم «وقف الخلق ينظرون جميعا...» وطبعا لا يتذكر، أو لا يريد أن يستكمل، فالخلق جميعا، سيشهدون، طوال الفيلم، انتقاله من فشل لفشل، ومن خيبة لخيبة، فالقوانين المتعسفة تتيح للبلدية الاستيلاء على عربة الكبدة التى وضع فيها كل أحلامه. هنا يتجسد السبب الثانى فى رواج فيلم ينسف أكذوبة الوصول إلى بر الأمان، خلال المشروعات الصغيرة. إنه أصدق من أفلام، على شاكلة «همام فى أمستردام» التى تتغنى بمشوار «العصامى» الذى يغدو، بذكائه، من رجال الأعمال المرموقين.. أما السبب الثالث فيكمن فى محمد سعد نفسه، بأسلوبه الذى يبدو وكأنه خارج توا من أفلام الكارتون. وجه أقرب للكاريكاتور، يحرك ملامحه كما يشاء، وجسم لين، يمكنه من الجرى والقفز والرقص، فضلا عن قدرات لا يستهان بها فى الأداء التمثيلى تجلى لاحقا حين أدى دور الضابط الشرس «رياض المنفلوطى» فى «اللى بالى بالك»، ويقمص شخصية جدته السليطة فى «عوكل»، وظلت معالم الشخصيتين، بطرافيتهما، باقية فى الذاكرة، حتى الآن.
«العشوائى» فى أحدث أفلامه «تك تك بوم»، يتعرض، كالعادة، لوابل من الأوصاف الجارحة، تتصور معها أن العمل يقبع فى الحضيض. لكن حين تشاهده، لن تجده بهذا القدر من السوء. صحيح أن السيناريو الذى كتبه محمد سعد، يحتاج لإعادة الكتابة عدة مرات، كى يهتم بشخصياته الثانوية الشاحبة، التى بدت أقرب لسنيدة البطل المطلق، وأن يخفف من غلواء الأفعال وردود الأفعال التى تتوالى بلا مبرر، فالقصة، مهما كانت بسيطة، من الممكن أن تحمل وجهة نظر جديرة بالتأمل، خاصة أنها هنا تتضمن خطوطا من الممكن أن ينهض عليها فيلم مهم: رجل فاشل، يصنع بمبا فاسدا، يشرع فى الاختلاء بعروسه، لكن الثورة تندلع، ويجد نفسه طرفا فى الصراع، يزج به فى السجن، ويلتقى ثانية بالضابط «رياض المنفلوطى»، الذى أصبح أعرج، وأكبر سنا ورتبة، وأشد إيغالا فى الشراسة. محمد سعد يؤدى دوره بمهارة، لكن السيناريو لم يهتم برصد ما طرأ عليه من فساد على نحو شجاع، بل يبدو أنه خاف من مد الخطوط إلى مناطق يظن أنها خطرة، وبالتالى عقد صلحا بين العشوائى والجلاد، وذهب بعيدا، فى الطريق الخاطئ، حين زعم أن اللجان الشعبية، فى الحارة، ظنت أن عناصر من البلطجية، تخفوا فى ملابس الشرطة، وبالتالى تصدت إلى رجال الشرطة الذين وصلوا لحماية الأهالى، وهو الأمر الذى لم يحدث أبدا.. لكن ثمة موقفا أحسب أنه بالغ الصدق والجرأة، حتى لو كان قد جاء من باب العشوائية.. فوهة ماسورة مدفع إحدى مصفحات الجيش، تخترق الشاشة من اليمين لليسار، تقترب من وجه العشوائى المتردد، المدرك لعواقب الأمور، فلا يسعه إلا أن يضع سلاحه داخل الفوهة ويهتف، عن خوف يخلو من اقتناع «الجيش والشعب إيد واحدة».