موعد فى نيويورك

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: السبت 20 سبتمبر 2014 - 9:39 ص بتوقيت القاهرة

تحدياته تسابق رهاناته فى طريقه إلى نيويورك

رهانه الرئيسى أن يرسخ صورة جديدة للحكم فى الأوساط الدولية، حيث يطل للمرة الأولى على العالم من فوق منصة الأمم المتحدة.

الظروف الدولية تواتيه وتعاكسه فى الوقت نفسه كأنه يمشى على سلك مشدود.

هناك فرص وكمائن فى الحرب على «داعش» الموضوع الأول فى اجتماعات المنظمة الدولية ومداولات الرؤساء والملوك على هامشها.

هو يترأس أكبر دولة عربية بدأت بالكاد فى التعافى ودورها مطلوب دوليا فى أية حرب إقليمية على الإرهاب.

وفق مصالح الدول الكبرى فإن أية أزمات مع النظام الجديد فى مصر سوف تتراجع إلى خلفية المشهد لكنها لن تغادره.

لا توترات متوقعة فى مداولات نيويورك على ذات الدرجة التى اعتادتها السياسة المصرية بعد تحولات (٣٠) يونيو.

الحقائق السياسية استقرت على الأرض ونظام الحكم الجديد تأكدت قوته وحسابات الدول تحكمها مصالحها.

فى الحرب على «داعش»، التى تستأثر بالحيز الأكبر من الاهتمام الدولى، لا يمكن استبعاد الحساب المصرى فيها.

تحديه الرئيسى أن يحدد أمام العالم أين تقف بلاده بالضبط فى الحرب على «داعش».. ما يقبل وما لا يقبل من سياسات واستراتيجيات تطرح نفسها فى ميادين القتال؟

بطبيعة تكوينه كرجل استخبارات عسكرية سوف يسمع بأكثر مما يتكلم، مدركا أن اختصار الحرب على الإرهاب فى «داعش» يتجاهل حقائق المنطقة التى تتمدد فيها التنظيمات التكفيرية المسلحة بصورة تهدد وجود دولها الوطنية.. ثم إن الاستراتيجية الأمريكية تفتقر إلى أية رؤية على درجة من التماسك فى الاقتراب من ظاهرة «داعش»، وهى أقرب أن تكون مشروع فوضى مسلحة أخطر وأفدح.

حسب التصريحات المعلنة فإن استراتيجيتها تحتذى التجربتين الصومالية واليمنية، رغم أن الأولى دولة فاشلة تقوضت صلتها بعصرها والثانية تمركزت فيها القاعدة وباتت عاصمتها صنعاء ميدانا لصدامات مسلحة مع جماعة «الحوثيين».

الكلام ينبئ عن حروب طويلة ومهلكة بين ميليشيات متصارعة تستنزف دول المشرق العربى وتضعها على خط التقسيم إلى طوائف ومذاهب ونحل.

لم يعد هذا احتمالا مستبعدا وبدأ التداول فيه بأوساط لبنانية تتحسب للرياح القادمة.

ثم إن القرار الأمريكى بدعم المعارضة السورية تسليحا وتدريبا يضع علامات استفهام على حقيقة الحرب وما إذا كانت تستهدف سوريا قبل «داعش»؟

جر سوريا لمستنقعات دم جديدة بلا أفق سياسى للخروج من محنتها خط أحمر فى أية مداولات منتظرة.

لقاؤه المتوقع مع الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» استكشافى إلى حد كبير، أو محاولة اقتراب بحذر من الجانبين. الإرهاب موضوعه الرئيسى غير أنه سوف يتطرق لمدى الالتزام بخريطة المستقبل.

بحسب معلومات غير مؤكدة سألته هاتفيا المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» السؤال نفسه.

من المتوقع أن يحاول «أوباما» استكشاف موقفه من العقدة السورية فى الحرب التى تبدأ الآن خاصة أن حليفه السعودى تعهد بتدريب قوات المعارضة على أراضيه لتأهيلها لقتال النظام و«داعش» معا، وهذا فوق طاقتها القتالية بأى حساب ومشروع فوضى لا حسم.

لا يكفى أن نقول إننا ضد الإرهاب ونحاربه وضد «داعش» وظاهرتها.. التفاصيل تعطى للعناوين معناها.

القادة الغربيون تعنيهم تفاصيل مواقفه أكثر من العناوين العامة التى تتضمنها كلمته المنتظرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

تحديه الرئيسى أن يكون كلامه منضبطا فى خطابه ومداولاته، كل حرف فى موضعه يوازن بين الأسباب المصرية فى حرب «داعش» والمخاطر الإقليمية التى تترتب على الاستراتيجية الأمريكية.

بقدر ما يتحدث مستقلا ترتفع الضغوط فى المداولات.

هذا يتطلب أن تكون الدولة أكثر تحصينا وقدرة على التماسك الداخلى بأقصى ما تستطيع.

تحديه هنا سد الفجوات فى بنية نظامه السياسى الذى لم يستكمل بعد وأن تتصالح الدولة مع شبابها.

القضية أكبر من تعديل «قانون التظاهر» أو أن تتلخص فى جماعات سياسية بعينها.

القانون عنوان للأزمة لكنه ليس متنها والأزمة أكثر اتساعا وخطورة مما قد يعتقد.

هناك عزلة شعورية عن الحاضر تنتاب قطاعات متزايدة من الأجيال الجديدة وخسارتها تعنى بالضبط خسارة المستقبل.

لديها شكوكها أن تضحياتها ذهبت سدى فى بناء دولة ديمقراطية وعادلة ولا تشعر أنها شريك فى مستقبل يبنى.

هذه قضية سياسية تعترضه بقسوة، يدرك خطورتها لكنه لم يحسمها حتى الآن.

أنصت باهتمام إلى رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان «محمد فائق» وهو يسرد ملاحظات جوهرية على قانون التظاهر وبدا مقتنعا بعدالتها.

طلب على الفور من وزير الدولة للعدالة الانتقالية الذهاب فى اليوم التالى للقاء «فائق» وبدأت التسريبات تتحدث عن قرب حلحلة أزمة القانون غير أن الطريق قطع عليها.

هناك من يحاول اصطناع تناقض بين الحرية والأمن وبين الدستور والنظام وبين حيوية حركة الاقتصاد وتوسيع المجال العام.

مصادرة الحق الدستورى فى التظاهر باسم الأمن قضيته مغلوطة ورؤيته قاصرة.

كلما ضاق المجال العام اتسع مجال العنف.

إنكار الحريات العامة تحريض مباشر على الإرهاب.

لا أحد يتحدث عن التظاهر بلا قانون أو أن يُستخدم الحق الدستورى فى الترويع العام بالسلاح، هذا ليس تظاهرا سلميا ويخضع لقوانين أخرى رادعة.

أية نظرة موضوعية على تفاعلات الجماعات السياسية والثقافية تدرك مدى الشروخ الخطيرة التى لحقت ببنية (٣٠) يونيو والتراجع الفادح فى الرهانات عليها.

معدلات الرضا العام انخفضت وسقف التململ ارتفع.

أيا كانت الإنجازات الاقتصادية الممكنة فإن تغييب السياسة يؤدى إلى وضع البلد كله فى حالة انكشاف.

عندما يتحدث فى نيويورك عن «شرعية يناير» فهو فى وضع قوى وعندما يمنع أى تعارض مع يونيو فإنه يتسق مع روح الدستور وعندما يقول إنه لا مبرر لتأجيل الانتخابات النيابية يؤكد صدقيته فى الالتزام بخريطة المستقبل غير أن مصالحة الأجيال الجديدة تحتاج إلى قرارات أخرى تتحدى أية فزاعات.

احتمالات تصاعد معدلات العنف فى مصر مرجحة على المدى المنظور وبراكين نيران المنطقة قد تمتد شراراتها إلى هنا، واقتراب كتلة التململ من كتلة النار خطر مرعب يقلب اللعبة كلها.

تعديل قانون التظاهر حتمى لا مفر منه والتلكؤ ضرره أكثر من فائدته.

بالقدر ذاته فإنه من غير الطبيعى التأخر فى تعديل قانون العقوبات لتجريم التعذيب، وفق الالتزام الدستورى، الذى ينص على أن «التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم»، رغم أن لجنة مكافحة التعذيب فى الأمم المتحدة تحدثت مرة بعد أخرى عن عدم التزام مصر بالاتفاقيات الدولية الموقعة.

ما المشكلة هنا؟.. وما المشكلة فى فتح حوار عام لتعديلات أخرى فى قانون الجمعيات الأهلية أكثر اتساقا مع نصوص الدستور واحتراما لحق الدولة فى الرقابة على مصادر تمويلها؟

للاعتبارات السياسية أولوياتها دون افتئات على الحق فى الأمن.

لا تسامح مع العنف والإرهاب إلا أن يكون شراكة فى جرائمه والقوانين الحالية تكفى للردع دون مصادرة للحق فى التظاهر.

ولا مخالفة لما نص عليه الدستور من حريات عامة إلا أن يكون ضربا فى جذر الشرعية.

حلحلة الأزمات فى الداخل يحصن البلد فى حربه مع الإرهاب ويقوى مركزه فى المعادلات الدولية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved