انعدام السياسة فى الوطن العربى.. الخروج من الحاضر.. والمستقبل!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 20 سبتمبر 2016 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

تكاد تنعدم «السياسة» فى الوطن العربى، مشرقا ومغربا وبين بين..

أُسقط العداء عن العدو القومى، إسرائيل، أو أنه تساقط بالتقادم وانعدام الفعل. بل إن «العرب »، أو من كانت تجمعهم الهوية القومية، أى العروبة، قد انقسموا بين «مصالح» أو «مهادن» أو «راغب فى الصلح وإن عجز عن إتمامه «أو متمسك بموقفه المبدئى برفض «الصلح» كون العدو الإسرائيلى ما زال عدوا، وهو قد أفاد من صلح المصالحين لكى ينفرد بقتال من ما بقى فى الميدان، سواء تمثل بـ«حزب الله» أم بسوريا التى هادنت ولم تصالح. ومن هنا أن الطيران الإسرائيلى لا يكاد يغيب عن الفضاء السورى داعما ومساندا للمعارضة الأصولية متمثلة بـ«جبهة النصرة» أو حتى «داعش»، ولو بالتجاهل.

ولأن المجتمعات العربية تعيش مأزومة فى ظل مسلسل لا ينتهى من الأزمات السياسية، وأخطر أسبابها احتكار السلطة والانفراد بالقرار، فى غيبة «الشعب»، الذى لا يمكن أن تستحضره المؤسسات التمثيلية المركبة وفق مزاج الحاكم الفرد، فقد انعدم الحوار وانقطع التواصل بين «السلطة» وشعبها المتروك للريح.

وهكذا تهاوت الأمنيات الغوالى والآمال العراض بالوحدة والحرية فضلا عن العدالة الاجتماعية أو الاشتراكية، وانحصر هم «الرعية» التى كانت ذات يوم شعبا له نصابه السياسى ممثلا فى أحزاب وهيئات ومنظمات سياسية، فى تأمين رغيف الخبز والسلامة التى لا تتوفر إلا بالابتعاد عن العمل السياسى، سواء تمثل بأحزاب أو جبهات وطنية أو حتى بمنظمات وهيئات نقابية أو حتى روابط طلابية.

***
مع انعدام السياسة يقفل الشارع بحراب السلطة، ويصبح النزول إليه، للتعبير عن الاعتراض على قانون جائر أو تدبير خاطئ، «تهديدا للسلامة العامة» ومصدر خطر على النظام أو الانتظام العام. ولابد من قمعه مهما كان الثمن.

فى ظل هيمنة السلطات البوليسية، وانعدام الحياة السياسية، حيث لا أحزاب ولا نقابات ولا هيئات شعبية تمثل الرأى العام أو تعبر عنه، ينعدم الحوار فى الداخل، وينشأ نوع من التحالف غير المألوف بين أنظمة مختلفة فى شعاراتها وإن توافقت سياساتها، فى وجه الشعوب التى يصبح سهلا اتهام المنظمات والهيئات وحتى الروابط الطلابية فيها بأنها «تنظيمات سرية تعمل لقلب نظام الحكم»!.

بالمقابل يسهل على هذا النظام أو ذاك عند أى خلاف، «وما أسهل اختلاق الخلافات مع الخارج لإشغال الداخل عن مشاكله» اتهام جاره الشقيق بالتآمر على النظام والخروج على مقتضيات الأخوة. وقرارات مجلس الأمن الدولى والتواطؤ مع الأعداء – بغير تحديد!ــ تمهيدا لإقفال الحدود وإطلاق حملة تشهير بالشعب الذى كان شقيقا، قبل أيام، ونشر مناخ من العداء يتجاوز ما كان معتمدا ضد «الكيان الصهيونى» المزروع غصبا فى الأرض العربية!

هكذا يمكن وعبر نظرة سريعة إلى خريطة ما كان يسمـى «الوطن العربى»، اكتشاف الخلل فى العلاقات بين غالبية الدول العربية. بل إن سوء العلاقات يمكن أن يدفع إلى حافة الحرب، بحيث يمكن أن يتحول العــدو الإسرائيلى «حليفا» لأى من النظامين، بل لكيلهما معا!!

***
لقد اختفى الحديث عن المصير الواحد، وعن المصالح المشتركة، بل صار لكل نظام مصيره، وربما على حساب مصير النظام الآخر.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن بعض الدول العربية (قطر مثلا) قد أعلنت الحرب على مصر، بشعبها قبل نظامها، بسبب التصادم بين النظام الجديد والإخوان المسلمين الذين تيسر لهم أن يقفزوا إلى السلطة فى غفلة من الشعب وثورة الميدان العظيمة.

وهناك دول عربية أخرى «السعودية مثلا» اندفعت إلى حومة الحرب فى سوريا وعليها بسبب خلاف طارئ مع النظام فيها وقد كان له موقع الحليف الأول والشريك بالدم فى الحرب ضد صدام حسين فى العراق، والشريك بالمصالح فى لبنان وأنحاء أخرى.

كذلك فإن هناك «قطيعة» بين السعودية ومعظم الخليج من جهة وبين الحكم القائم فى العراق من جهة أخرى من دون تقديم أسباب سياسية لهذه الخصومة.

بالمقابل فإن دولا مثل السعودية وبعض إمارات الخليج بعنوان قطر، تنافس مصر وتزاحمها فى بعض أقطار أفريقيا، وتتقدم لتحاول احتلال مكانها مما يوسع المجال أمام العدو الإسرائيلى، لكى يوسع نفوذه ويتقدم للسيطرة على القرار فى بعض الدول الأفريقية. ويمكن الاكتفاء بنموذج الحبشة فى خلافها المفتعل مع مصر حول مياه نهر النيل، مما يهدد مصر فى حياتها. مع ذلك فإن بعض الأنظمة العربية لم تتورع عن مساندة إثيوبيا فى مواجهة مصر، جنبا إلى جنب مع العدو الإسرائيلى لأسباب غير مفهومة بحيث لا يمكن تبريرها.

***

الأخطر من هذا كله: أن التخلى شبه الجماعى عن قضية فلسطين، التى كانت مقدسة ذات يوم، قد حول المسألة إلى «ميدان مراهنات» بين الدول العربية من يسبق من إلى توطيد العلاقة مع العدو الإسرائيلى، وعلى حساب حقوق شعب فلسطين فى أرضه.

بالمقابل فإن الحرب فى سوريا وعليها قد جمعت فى صف واحد ولو بشكل غير مباشر، إسرائيل مع بعض الدول العربية، «حوار الأمريكى تركى الفيصل مع بعض القياديين الإسرائيليين فى ندوة علنية اتخذت عنوانا ملتبسا حل فيه الدينى محل السياسى..» هذا فضلا عن العلاقات الوطيدة الآن بين قطر وإسرائيل، والعلاقات فى الظل مع دولة الإمارات، والعلاقات العلنية والوثيقة مع المغرب ودول أخرى.

ولعل أبرز الأمثلة الفاقعة على الانفصام فى سياسة الدول العربية يتبدى واضحا فى واقع الأزمة بين مصر وتركيا، أثر خلع حكم الإخوان المسلمين فى مصر. فلقد توثقت العلاقات بين كل من السعودية وتركيا، وكادت تصل إلى مشارف الوحدة السياسية بين قطر وتركيا، إثر محاولة الانقلاب العسكرى فى أنقرة، بينما كانت الأزمة فى ذروة احتدامها بين مصر وتركيا.

باختصار، فإن الدول العربية منشغلة فى سلسلة من الحروب فيما بينها، بينما العدو الإسرائيلى يكاد يتعب من جمع انتصاراته الدبلوماسية والسياسية والعسكرية التى يجنيها من العرب وعلى حساب مستقبلهم فى أرضهم.

وعلى المقلب الآخر، تذوى القضية الفلسطينية، التى كانت جوهر الصراع من أجل مستقبل عربى أفضل، إذ ينشغل العرب «بمن فى ذلك القيادة الفلسطينية» عن قضيتهم المقدسة فيدخلون البازار مزايدة ومناقصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ثم مع العدو الإسرائيلى مباشرة.

***

إن العرب مشغولون عن بلادهم، بل عن أنفسهم، بخصومات مفتعلة لا تنتهى، أبرز الأمثلة يتجسد فى الحرب غير المبررة فى اليمن، والتى تهدف فى ما تهدف إليه خارج الصراع على النفوذ، فى تسعير الحرب المذهبية والطائفية، كبديل من الحرب مع العدو الحقيقى والدائم: إسرائيل.

إن السياسة تكاد تنعدم فى هذه المنطقة التى تخلى عنها أهلها لأعدائهم وخصوم مصالحتهم الوطنية والقومية، يتقدمهم الكيان الإسرائيلى.

وقد اختفت من القاموس السياسى العربــى كلمات لها دلالات معروفة مثــل «الإمبريالية» و«الاستعمار» و«الصهيونية».
وبالمقابل بـل اختــفت من هذا القــاموس كلمــات لها دلالات معروفـــــة مــثل «العروبة» و«القومية العربية» و«التحرر» و«الوحدة» فضلا عن «التحرر» و«الاشتراكية» والمزج بينهما وبين العروبة.

وهكذا يعيش العرب خارج هويتهم الجامعة تتناهبهم الطموحات التوسعية لبعض حكامهم والتصاغر أمام العدو القومى بالتنازلات المتوالية التى كادت تذهب بجدارتهم بتاريخهم، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

وفى ظل الضياع تصبح الحرب الأهلية العربية احتمالا قائما، نعيش الآن بعض فصوله، فنكاد نخرج من الحاضر وأساسا من المستقبل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved