ربيع السودان

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 20 سبتمبر 2019 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

بتقييم ثورات الربيع العربى نجد أن مصر وصل إلى سدة الحكم فيها الإخوان المسلمون والذين فشلوا فى تحقيق أهداف الثورة، لكن الشعب رفض إسقاط الحكم الإسلامى بالقوة، لكنه سقط فى 30 يونيو بسبب فشله فى الحكم، لكن الربيع نجح فى تونس نجاحًا باهرًا، أما الجزائر الآن فهى فى حالة مخاض، لكن المفاجأة الحقيقية كانت وما زالت وستكون السودان، فالسودان كان ينظر إليه من أعلى من قبل كل هذه البلاد السابقة، فهم الأكثر تقدمًا، وعلاقة مصر والسودان علاقة تاريخية قديمة فملك مصر كان يدعى ملك مصر والسودان، والسودان فى عصر النميرى وصل إلى الحضيض... فما الذى حدث فى السودان وكيف قفز من آخر الصف إلى أوله وصارت باقى البلدان تحسده وتلهث وراءه وتتمنى تقليده.
من بين 18 وزيرا فى الحكومة السودانية يوجد أربع سيدات: وزيرة للخارجية «أسماء عبدالله»، «انتصار صغيرون» وزير التعليم العالى «لينا الشيخ محجوب» فى وزارة العمل والشئون الاجتماعية، «ولاء عصام البوشى» وزارة الشباب والرياضة.
هذا علم وليس حلم، هذا واقع فى السودان الشقيق. 3 سنوات فترة انتقالية تعقبها انتخابات، تقاسم السلطة بين الجيش والمعارضة المدنية. لقد نجح الشعب السودانى بالإصرار الشديد بعد أن رأى ما حدث فى سوريا وليبيا وتونس ومصر، أن يأخذ بيده المبادرة وأن لا يتوقف حتى يحقق النتيجة الأفضل والنموذج فى ثورات الربيع العربى، أعتقد أنه لأول مرة فى السودان يكون هذا العدد من النساء فى الوزارة، السودان الذى كان تابعا لمصر حتى ثورة 23 يوليو 1952 وتركه جمال عبدالناصر ليحكم نفسه بنفسه.
***
يقول السودانيون العظماء إن هذا الاتفاق ربما لا يعبر عن طموح السودان. يكتب أحد المحللين «إن هذه الاتفاقية حققت الحد الأدنى من التوافق بين المكونات فى السودان: المجلس العسكرى، قوى الحرية والتغيير، والمهنيون، هذا التوافق لكى ينجح حقيقة أمامه تحديات كثيرة بسبب جرائم البشير فى الثلاثين سنة التى حكم فيها. من الأمور اللافتة للنظر أن الأمن حاول قمع الانتفاضة الشعبية محاولًا أن يستعيد السلطة وفشل، وأنه كان مرغما على توقيع الاتفاقية، مثلما حدث فى بلدان عربية أخرى مثل ليبيا وسوريا، يقبلون بالثورة ثم يلتفون عليها، وجاء موقف الجيش السودانى فى الوسط بين مصر من ناحية وسوريا وليبيا من الناحية الأخرى، ففى مصر الجيش لم يقمع الثورة وسار فى الطريق الديمقراطى والانتخابات، وفى نفس الوقت لم يفعل مثل الجيش السورى والليبى الذى حارب ضد الشعب الأعزل مما دعا لتدخل عدة جيوش، وهنا علينا أن نشيد بالوعى الشعبى السودانى فى استمرارهم فى السعى حتى حققوا ما أرادوا أيضًا. من الأمور اللافتة للنظر أن الاتحاد الإفريقى كان له دور كبير فى هذه الاتفاقية، فهل نطمع أن جامعة الدول العربية التى وقفت متفرجة أثناء الثورات العربية أن تتعلم من الاتحاد الإفريقى وتقوم بدورها الحقيقى الموجود فى ميثاقها؟
من الواضح أن جامعتنا العربية انحازت للرؤساء وليس للشعوب، وهو أمر مخجل ويحتاج إلى إعادة نظر لأنه حتى صمتها يعبر عن انفصالها عن الشعوب وغياب الدور المنوط بها.
لا شك أن الاتفاق يتجاوز حدود السودان، فهو حدث تاريخى، لأن موقف الشعب السودانى الصامد والواعى فى نفس الوقت على أن لا يسرق أحد أحلامه دعا ولأول مرة الاتحاد الإفريقى والاتحاد الأوروبى والمبعوث الأممى أن يقفوا مع الثورة دون مجاملة أو مسك العصا من المنتصف. وهكذا اختلفت السودان عن سوريا وليبيا، لقد كان انتصار الثورة الشعبية السلمية واضحا ومؤثرًا ومرضيًا، لقد انهارت أعمدة النظام الديكتاتورى القديم، لكن– مع الأسف– النظام لم ينته. إن الذى يُحسب للمجلس العسكرى أنه لم يقدم على مذابح، 215 شهيدا فقط بالمقارنة بعشرات ومئات الألوف فى سوريا وليبيا، نستطيع أن نقول إن الاتفاقية تعلن عن توليفة صحية فالسودان يحتاج الجيش لأجل الأمن، لذلك هناك ثقة وشراكة وهذا هام جدا. قالت صحيفة الفيجارو الفرنسية عن اتفاقية السودان «اتفاق تاريخى بكل معنى الكلمة أزال نظاما ديكتاتوريا استمر لمدة 30 عاما، ونجحت ثورة شعبية فى إزالة نظام عسكرى».
هنا نأتى للتحديات التى عبرت عنها الصحافة البريطانية:
1 – نوع من الأمل مع التحفظ.
2 – خطوة كبيرة جدًا والخوف من المستقبل.
3 – حذر شديد من مصير ثورات الربيع العربى.
4 – حذر من الفوضى إذا انفلتت الأمور.
هذا الاتفاق يمكن أن نطلق عليه «إنقاذ مستقبل السودان بدلا من الضياع فى المجهول».
***
الاتفاقية لم تنص على دور المجتمع الإقليمى والدولى فى تأمين العملية الانتقالية، وما مدى حجم التدخل الذى يمكن أن يحدث للإطاحة بكل هذه المكتسبات. بلا شك هو نصر للديمقراطية والديمقراطيين فالسلطة بكاملها فى يد المدنيين، ولقد قدم الجيش تنازلات كثيرة، فى نفس الوقت الذى نرى فيه الإعلان الدستورى به عيوب كثيرة، من أخطر هذه العيوب أنه لم يحدث إصلاح للنظام القضائى، من هنا تخوف من عدم تحقيق العدالة وأن الأحكام يمكن أن تأتى لصالح مراكز القوى القديمة أصدقاء القضاة. فى ذات الوقت رغم أن السلطة بكاملها مع المدنيين الآن إلا أنه لم ينص على هذا المبدأ رسميا بكامله فى الاتفاقية للالتزام به دوما. وهنا الخطورة، وهكذا يعتبر كثيرون أنه لم يحدث تغيير حقيقى لأن الأحكام ستكون لحساب النظام البائد وأعوانه كما حدث فى بلدان كثيرة بعد الثورة. إنه بالفعل نصر للديمقراطيين لكنه يمكن أن يسقط فى أى وقت، إن هذا الحراك أدى إلى حرب أهلية فى سوريا وليبيا.
من الآمال التى نرجو تحقيقها أن تقوم الحكومة الجديدة والتى على رأسها شخصية قوية وطنية نظيفة «عبدالله حمدوك» رفض أن يكون وزيرا للبشير وأصر أن يحول السودان إلى دولة مدنية متكاملة، وهذا من سلطانها.
لا شك أن الأشهر المقبلة ستكون صعبة، فعلى قيادة الجيش والسياسيين أن يعملوا فى تناغم وإن حدث ذلك سيكون مؤشرًا متميزًا عن المستقبل. وأن يقوم جهاز الأمن بإعادة تكوينه وسحب شركات الأمن المسيطرة على 70% من ميزانية السودان مخصصة للأمن.
من الأمور الإيجابية أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يؤيد الاتفاق، والأمر الإيجابى الثانى استبعاد الإخوان المسلمين رغم أن البعض يعتقد أن هذه نقطة ضعف لأنها ستحولهم إلى أعداء للثورة، وإن كانوا هم دائمًا أعداء للثورات من الداخل أو الخارج والخوف من تعاونهم مع الحزب الشيوعى الذى أعلن رفضه للاشتراك فى الوزارة لكنه استمر من خلال المهنيين فهو ليس على الهامش تمامًا.
هناك سؤالان عن مدى تأثير نجاح الثورة السودانية على المنطقة العربية: الأول، هل يمكن للجيش فى الجزائر أن يقوم بعمل انتقال مدنى حقيقى؟ لا بد وأن نعترف أنه لا يوجد اتفاق مثالى. مع الأخذ فى الاعتبار أن الجيش فى الجزائر كتلة واحدة كنظيره المصرى وعكس النموذج السودانى.
الثانى: ماذا لو استلهم جيش الجزائر تجربة السودان وقبل بالحل الوسط. بالطبع ما زال ما حدث فى السودان يشكل إحراجًا لكثيرين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved