القمة العربية القادمة.. مِن تخطي العقبات لمواجهة التحديات

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 20 سبتمبر 2022 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

استقر رأى وزراء الخارجية العرب فى اجتماعهم الدورى فى جامعة الدول العربية فى 7 سبتمبر 2022 على اعتماد عقد القمة العربية القادمة فى الجزائر يومى 1 و2 نوفمبر 2022. وقد سبق أن أجلت هذه القمة ثلاث مرات على مدى ثلاث سنوات حيث كان آخر تأجيل فى مطلع 2022، وذكر أن السبب جائحة كورونا، بينما تسربت معلومات عن صعوبات عملية تواجه التئام القمة، منها تمسك الجزائر بدعوة سوريا لتشغل مقعدها الشاغر فى جامعة الدول العربية وعدم التوصل إلى توافق عربى عام على عودتها، رغم أن وقف عضويتها كان بالأغلبية وليس بالإجماع ومن ثم فمن الطبيعى والعدل أن تعود كما أخرجت بموافقة الأغلبية. وسبب آخر وراء تأجيل القمة وهو تمسك دول عربية بضرورة دعوة المغرب لحضور القمة والإشارة إلى عدم مشاركتها فى القمة إذا لم يدع المغرب المقطوع علاقاته الدبلوماسية والمغلقة حدوده مع الجزائر منذ أغسطس 2021، وتعثر الوساطة للإصلاح بينهما. 

وقد أمكن، بمساع مكثفة من بعض الدول العربية، ومن الجزائر نفسها تخطى هاتين العقبتين. وأعلن وزير خارجية الجزائر، قبيل انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب يوم 7 سبتمبر 2022 أن «دمشق لا تفضل إدراج مسألة عودتها إلى جامعة الدول العربية ضمن النقاشات التى تسبق عقد القمة المقبلة». وصدر تصريح عن وزير خارجية سوريا فيصل المقداد جاء فيه أن حكومته اتخذت هذا الموقف رغبة منها فى المساهمة فى توحيد الكلمة والصف العربى فى مواجهة التحديات التى تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمى والدولى. هذا ويلاحظ صدور تصريحات أمريكية تدعو إلى عدم إعادة العلاقات مع النظام السورى، أو إعادته إلى جامعة الدول العربية، وهو ما يعطى مؤشرا واضحا أن ثمة ضغوطا أمريكية قوية فى هذا الاتجاه نظرا لربط واشنطن بين حربها مع روسيا فى أوكرانيا ومع الوجود الروسى فى سوريا. وهكذا تم تخطى العقبة السورية دون حلها، لأسباب عربية وغير عربية. 

• • •

أما توجيه الجزائر دعوة رسمية إلى المغرب، فقد تم التوصل إلى صيغة معينة توجه بمقتضاها وزير العدل الجزائرى لتسليم الدعوة إلى المغرب، مع تسرب أنباء أن وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة هو الذى قد يترأس وفد بلاده إلى القمة العربية، وأنه لم يتم التوصل حتى الآن، رغم اتجاه الجزائر نحو التهدئة فى خطابها عن المغرب، إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية أو الاتفاق على فتح الحدود بين المغرب والجزائر وهو ما أثار بعض التساؤلات حول كيفية وصول الوفد المغربى للجزائر للمشاركة فى القمة، وعما إذا كان سيتيسر تطور جديد فى العلاقات بين البلدين من الآن إلى موعد انعقاد القمة، وذلك على ضوء ما تردد من أنباء مغربية عن مشاركة ملك المغرب فى القمة لما سيكون له من تأثير إيجابى على مشاركة بعض الملوك والرؤساء العرب، وحتى تكون قمة عربية مكتملة كما تتطلع الجزائر، رغم غياب سوريا. 

وذكر مسئول جزائرى أن بلاده تفرق جديا بين علاقاتها الثنائية مع المغرب، والتنسيق العربى المشترك الذى تريده أن يسود أعمال القمة العربية المنتظرة لمواجهة حالة الاستقطاب فى العالم حفاظا على مصالح الدول العربية، ومن هذا المنطلق توجه الجزائر دعوة للمغرب لحضور القمة العربية. ويرى بعض الخبراء السياسيين المغاربة أن المغرب يتبنى سياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر وهذا كفيل بالتعبير عن الواقع ووضع الأمور فى نصابها. 

وستكون هذه هى المرة الرابعة التى تستضيف فيها الجزائر قمة عربية، فقد سبق أن استضافت القمة العربية السادسة فى نوفمبر 1973 فى عهد الرئيس هوارى بومدين وكانت فى أعقاب انتصارات حرب أكتوبر 1973 وعبور جيش مصر قناة السويس، وقد شهدت انضمام موريتانيا إلى جامعة الدول العربية. أما القمة الثانية فكانت فى يونيو 1988 وهى القمة العربية الخامسة غير العادية فى عهد الرئيس الشاذلى بن جديد، وكانت لبحث الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، والاعتداء الأمريكى على ليبيا. أما القمة الثالثة فكانت فى عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فى مارس 2005، وشارك فيها الملك محمد السادس. وتتواكب القمة العربية القادمة فى نوفمبر 2022 مع احتفالات الجزائر بانطلاق حرب التحرير من أجل الاستقلال عن الاحتلال الفرنسى منذ سبعين عاما، ويرون فى حضور القادة العرب إلى العاصمة الجزائرية بمثابة مشاركة معهم فى الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة عليهم. 

وقد أكد وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة أهمية دعم الجهود الهادفة إلى تعزيز التسويات السلمية للأزمات فى ليبيا، وسوريا، واليمن، بما يضمن وحدة وسيادة هذه الدول الشقيقة، ويكفل تحقيق التطلعات المشروعة لشعوبها، وينهى معاناتها من ويلات الاقتتال الداخلى والتدخلات الخارجية بكل أشكالها. وأعرب عن تضامن الجزائر مع الأشقاء فى العراق والسودان، وتطلعها إلى تمكنهم من تجاوز الصعوبات التى تعترضهم من خلال الحوار. 

• • •

كما نوه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بأهمية القمة العربية القادمة وضرورة نجاحها، لاسيما فى ضوء وجود الكثير من المشكلات العربية، فالأزمة السورية لا تبدو ملامح حل لها، كما عاد الاقتتال فى الأزمة الليبية، وفى العراق لم تؤد الانتخابات إلى تشكيل حكومة. وأضاف أن الحل السياسى هو الخيار الوحيد الممكن فى جميع الأزمات العربية المشتعلة لتحقيق الاستقرار، وإنهاء المعاناة الهائلة للشعوب ووقف نزيف الدم والخسائر التى تكبدتها الدول العربية عبر السنوات الماضية. وحذر من تجميد المسار السياسى لحل القضية الفلسطينية، وأن الحل العادل هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، ويظل هو المفتاح الأهم لاستقرار المنطقة على المدى الطويل. 

وواضح من كلام كل من وزير خارجية الجزائر، والأمين العام لجامعة الدول العربية، أنهما يأملان فى أن تحقق القمة العربية القادمة نجاحا فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية التى تواجه الدول العربية، ويلاحظ أن هذا الأمل مشوب بحذر ظاهر أو مستتر نظرا لعدة اعتبارات منها:

ــ أن التوصل إلى توافق بين الدول العربية على انعقاد القمة القادمة تم بمسيرة فوق أشواك من الخلافات وتباين المواقف والآراء بشأن موضوعات تعد حيوية لضمان الحد الأدنى لإنجاح القمة. وتم هذا التوافق إما بالتغاضى عن مواقف وأزمات عربية بينية معينة، أو بالتخطى لموضوعات ليس مفترضا تخطيها لضمان تحقيق حد أدنى من وحدة الصف العربى وتصفية الأجواء العربية من سحب كثيرة داكنة لا يبدو أنها ستمطر وتنقشع قريبا. ومن ثم فمن المهم للغاية أن يكون موضوع تنقية الأجواء العربية والتوصل إلى صيغ لاتفاق أو توافق للدول العربية أو الأغلبية بشأن الخلافات البينية والأزمات العربية، لتكون نقطة بداية لمساهمة عربية فاعلة فى تحقيق التسويات السلمية للقضايا والأزمات العربية.

ــ أهمية الإقرار الصريح بأن الدول العربية ابتعدت كثيرا وعلى مدى ما يربو على عقد من الزمان عن أن تكون طرفا فاعلا بإيجابية فى تسوية أى من الأزمات العربية سلميا، فإما أن دورها كان مكملا لأدوار قوى دولية وإقليمية أو متعارضا معها، وإما أن كان جزءا من حل هذه الأزمات العربية دون قدرة على الإنجاز، أو كان جزءا من الأزمة مع إبداء مساع ظاهرية للحل لا تؤدى إلى نتيجة. وقد ترتب على ذلك تدويل الأزمات العربية وأصبحت مفتوحة للتدخلات الإقليمية والدولية، الأمر الذى أدى بالضرورة إلى زيادة هذه الأزمات تعقيدا وتعثر كل ما يبدو أنه محاولات لإيجاد حلول سياسية لها. 

ــ لقد كشفت الحرب فى أوكرانيا، بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو وحلفائهم، أن الأزمات فى الدول العربية ليست لها أولوية فى اهتماماتهم، أو أنها مكملة لحلقات الصراع فيما بينهم على مناطق النفوذ والمصالح، واتضح الفارق الشاسع بين ما أولته واشنطن والدول الأوروبية من اهتمام مبالغ فيه بالأزمة الأوكرانية والاندفاع المتسارع لتقديم كل أنواع المساعدات لها، وبين مواقف واهتمام هذه الدول بالقضايا والأزمات العربية. وهو الأمر الذى من المفترض أن يحدث يقظة كبيرة لدى الدول العربية وتدرك بما لا يدع مجالا للشك أن عليها من الآن فصاعدا توحيد صفوفها وحشد طاقاتها لمواجهة تحديات التنمية والأمن الغذائى وأمن الطاقة، وقبل ذلك كله بذل أقصى الجهود لحل الأزمات العربية سلميا فى أقرب وقت ممكن. 

ــ أهمية وضرورة توصل القمة العربية القادمة إلى صيغة مشتركة، كما فى سائر المجموعات الإقليمية الأخرى، توضح الخطوط العريضة للعلاقات العربية مع دول الجوار القريب، خاصة إيران وتركيا، آخذين فى الاعتبار تداخل المصالح المشتركة بين الدول العربية وهاتين الدولتين من ناحية، والمنافسة والعمل على الانتشار من ناحية أخرى، وذلك نظرا لوجود تباين عملى كبير فى العلاقات بين بعض الدول العربية وكل من تركيا وإيران وبين دول عربية أخرى، بما يظهر تفاوتا كبيرا بين ما يصدر عن الاجتماعات العربية من قرارات وبيانات وبين الأمر العملى الواقع لهذه العلاقات. 

ــ ضرورة وأهمية الاهتمام العربى العام بمسألة السلاح النووى الإسرائيلى وعدم انضمام إسرائيل إلى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وعدم خضوع مفاعلاتها النووية لأى نوع من الرقابة الدولية. وضرورة التنبه إلى عدم إشغال الدول العربية بالموقف الأمريكى الإسرائيلى من الملف النووى الإيرانى، حيث أن إيران انضمت إلى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وتخضع مفاعلاتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى جانب اتفاقها النووى مع الدول الكبرى وعدم وجود أسلحة نووية لديها حتى الآن وإعلانها دائما عدم نيتها إنتاج أسلحة نووية، وهذا عكس وضع إسرائيل تماما.

ــ أهمية اتفاق القمة العربية القادمة على تعيين مبعوثين عرب من خلال جامعة الدول العربية إلى كل أزمة من الأزمات العربية يرفعون تقارير دورية بشأنها إلى مجلس وزراء الخارجية العرب والقمة العربية، وأن يتم التنسيق والاتفاق مع الأمين العام للأمم المتحدة خلال الدورة العادية الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل التعاون والتنسيق بين المبعوثين العرب ومبعوثى الأمم المتحدة للأزمات العربية، وذلك لفتح المجال لأن يكون للدول العربية دور ومبادرات عملية للتوصل إلى حلول سلمية للقضايا والأزمات العربية بدلا من الاعتماد على القوى الإقليمية والدولية والتى دائما ما تعلى مصالحها الخاصة على المصالح العربية. 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved