قراءة فى المشهد الفكرى العربى
يوسف الحسن
آخر تحديث:
الأربعاء 20 سبتمبر 2023 - 7:05 م
بتوقيت القاهرة
شاركت مؤخرا، فى حوارات ومناقشات جادة، جرت فى مؤتمر نظمته فى القاهرة، «مؤسسة الفكر العربى»، قبل أيام، وهى تُطلق تقريرها الثانى عشر للتنمية الثقافية العربية. والمخصص لموضوع «الفكر العربى فى عقدين 2000 ــ 2020». وهما عقدان من الزمان، أحسب أنهما أطول عقدين شهدهما العرب المعاصرين. وكانا مشحونين بالاضطراب والتشظى والقلق والتغيرات، سقطت خلالهما دول، وتفسخت مجتمعات، وتفشت ظواهر عنف وإرهاب، وحروب أهلية، ونمت هُويات وولاءات فرعية، أضعفت روح الانتماء الوطنى والقومى، وأصابت الهُوية العربية بشىء من التفكك، وشلَّت العمل العربى المشترك ومؤسساته الرسمية والمدنية، إضافة إلى تحوُّل مناطق عربية غير قليلة، إلى ساحة لصراعات إقليمية ودولية وتدخلات خارجية.
مفكرون وخبراء وممارسون فى مختلف مجالات المعرفة، شاركوا فى تقديم أجوبة فكرية عن أسئلة تلك التحولات والتغيرات، وتحدياتها وآثارها وآفاقها المستقبلية، وباعتبار أن الصراعات والتحولات، هى مجرد أحداث فى مسيرة التاريخ، وأن الأهم هو معرفة التبدلات العميقة، والمنعطفات التى تتم على المدى الطويل، لأنها تستغرق جيلا أو أكثر.
نداء القلق على أحوال الأمة العربية وتفاقم أزماتها، كان يخيم على كلمات وتأملات المشاركين من أهل الفكر، ويضغط بشدة على التفكير والتفكر والتبصر فى الطبيعة السريعة للأحداث التى جرت فى مطلع هذا القرن، ومقدماتها وإرهاصاتها وتداعياتها وتأثيراتها. ولا يتوقف الأمر عند الرصد والتحليل، بل يتفاعل مع الحاضر وتحدياته، وينفتح على المستقبل لاستشراف آفاقه.
عُنى الفكر العربى، بمجموعة إشكاليات ومتغيرات، بعضها كان مطروحا فى عقود سابقة ــ وإن اختلفت درجة الاهتمام بها، وبعضها ما زال مستمرا، وبرز بشكل ملح، وحضر إلى موقع الأولويات فى البحث والمعالجة، كقضايا الدولة الوطنية العربية، ومبدأ المواطنة العادلة والمتكافئة، والهُوية الوطنية الجامعة، وحسن إدارة التنوع والتعددية فى المجتمعات العربية، ومسائل السيادة ووحدة التراب الوطنى، وقيم احترام الاختلاف ــ تحت سقف الهوية الجامعة والحرية المسئولة.
قدَّمت هذه النخبة المشاركة، جهودا طيبة، بعيدا عن ضجيج الإعلام. قراءات تحليلية وافية ونقدية وثلاثية الأبعاد، ومقاربات فكرية فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والفلسفة والثورة الرقمية كبعد أساسى للعولمة.
استدعت المناقشات مقاربات أخرى أيديولوجية وأمنية، ورؤى تتعلق بالدولة الوطنية العربية، باعتبارها البناء الأساسى للاستقرار والعدالة والتنمية، وأن غيابها هو مشروع ناجح للتشظى والفوضى والعنف، وفقدان الأمن والعدالة، وإعاقة التنمية.
كما أولى باحثون، أهمية لقضايا التنوع الثقافى. وبينّوا مخاطر تجاهل وضع التنوع فى إطار الوحدة الوطنية، ونبهَّوا لمخاطر وتهديدات توظيف مسائل (الملل والنحل) والأقليات والهُويات الطوائفية، فى لعبة الأمم، ومصالح الدول الإقليمية والدولية.
تحديات كبيرة كانت وما زالت أمام الفكر العربى بكل تجلياته. تستدعى جهودا دءوبة وإبداعية، لتحويل هذه التحديات إلى فرص للنهوض والتجدد، وتجاوز أزمات الدولة الوطنية، وإشكاليات العلاقات العربية البينية.
كم تسعد الروح، حينما تنهض مراكز أبحاث، ومؤسسات فكرية، وتنشغل برؤى نقدية وموضوعية، فى قضايا مفصلية عربية، ودولية أخرى مؤثرة، بعيدا عن البهرجة والمجاملات الجوفاء، التى تضر ولا تنفع، وفى مناخات «الاحتباس» الأخلاقى للكلمة الطيبة، والنافعة للبلاد والعباد والمستقبل.
هل رصد المفكرون المشاركون فى مؤتمر القاهرة، قصورا فى مسارات معرفية فكرية معينة؟
أجتهد قائلا، نعم هناك تقصير فى الفكر العربى الاستراتيجى، وتخلف فى بعض المسارات، وبخاصة على الصعيدين الفكرى والممارسة فى الاقتصاد والفلسفة والتربية والثورة الرقمية، وبناء المجتمع المعرفى لضمان استدامة عملية التنمية، ولم تنل هذه القطاعات كل ما تستحقه من الاهتمام.
كما كان هناك قصور فى دعم نظم حوكمة، تلبى طموحات الناس الاقتصادية والإنسانية. وكانت هناك أيضا رخاوة مع ظواهر الفساد والتعصب، وتفكيك الهُوية الوطنية الجامعة، وغياب الحوار الوطنى المسئول، وضبابية فى مقاربة مخاطر سياسات «المحاصصة» الطوائفية والإثنية والمذهبية واللغوية، وميوعة فى إدراك مخاطر التدخلات الأجنبية، وانكفاء مشاريع التكامل العربى، واضطراب مؤسساته، وغياب الحلول السياسية للأزمات والحروب الأهلية الراهنة.
وظل سؤال يؤرق الذهن، ويبحث عن إجابات؛ ما هو الزاد الثقافى والفكرى والحضارى. الذى سيحمله العرب معهم فى رحلة التحولات الكبرى الجارية الآن وغدا فى عالمنا.
آن الأوان، لتعزيز التفكير، فى إمكانية وجود (بجع أسود) فى بيئاتنا وإقليمنا وكوكبنا.