هدنة العيد

سلام الكواكبي
سلام الكواكبي

آخر تحديث: السبت 20 أكتوبر 2012 - 8:10 ص بتوقيت القاهرة

بعد تعثّر كل جهوده للوصول إلى حل سياسى للأزمة السورية، خرج الأخضر الإبراهيمى باقتراح هدنة عسكرية لوقف إطلاق النار بين «طرفين متحاربين» فى سوريا. وقد تم حصرها بفترة عيد الأضحى الذى سيقبل بعد أيام على شعب أضحى ثلثه على الأقل فى حالة تهجير داخلى وعشرات الألوف منه قد تلحفّت الثرى مذبوحة بدم بارد أو ضحية قصف شامل أو «تبادل» لإطلاق النار.

 

●●●

 

مهما رحّب العاجزون الدوليون بالاقتراح وقابلته بإيجابية مشروطة «القوى المتصارعة»، فهو يظل دليلا على عجز مستديم يرافق كل الجهود الدبلوماسية منذ بدء المناورات فى هذا الاتجاه من قبل السيد كوفى عنان.

 

فبعد السعى إلى وقف إطلاق نار شامل وسحب الأسلحة الثقيلة من شوارع المدن، يبدو أن الطموح الأممى قد بدأ بالتقلص إلى هدنة مؤقتة لمدة أيام. ومن المؤكد بأن سفير النوايا العاجزة لا يستطيع أن يجترح المعجزات وأن يخرج من قبعته الممزقة أرنبا سياسيا مبتسما لجمهوره المترقّب. فمدى نجاح مهمته المحمودة ومساعيه المشكورة لا تتعلق بشخصه أو بنواياه الذاتية بقدر ما هى مرتبطة بقرار دولى مفقود ويجرى البحث عنه فى كل مشافى الأرواح وملاجئ الأخلاق الحميدة وسجون النوايا الطيبة.

 

الإبراهيمى ليس إلا مفاوضا يذهب بحقائب أفكار مليئة بنواياه الطيبة وطموحه بإنهاء مساره العملى بإنجاز إنسانى يوقف حربا مجنونة على شعبٍ بأكمله، ولكنها خاوية من جدية من كلّفه وتحمل مجرد تمنيات وسناريوهات تسعى للخروج من عنق الزجاجة الممتد بلا نهاية. فمهمته كمبعوث أممى مُجمعٌ عليه لا تجد مضمونها فى أىٍ من الخطط القديمة وما يسعى إلى إنجازه من خطط واقتراحات لا ترى النور.

 

والأطراف الدولية المرتاحة لاستمرار المماحكات السياسية كما هى تتنفس الصعداء فى كواليس مجلس الأمن بعد كل فيتو روسى، زودت المبعوث الجزائرى بجعبة فارغة من التصورات فيما عدا نسخٍ رثّة من تجارب تحاصصية سابقة فى بوسنة دايتون أو فى لبنان الطائف. فهى ساعدت فى الأولى على أن يجلس القاتل والقتيل فى حكومة مشتركة وفى الثانية على انجاز وقف إطلاق نار طويل الأمد من دون تحقيق السلم الأهلى المنشود.

 

●●●

 

لن يلام الإبراهيمى إن فشلت مهمته لأنه اعتبرها منذ البداية شبه مستحيلة. وهو قد اجتهد بما يملكه من حنكة دبلوماسية ومعرفة مؤسساتية بعقلية الحكومات المستبدة. المُلام الأساسى هو «مجتمعٌ» دولى لم يتعلم من دروس التاريخ وتحكمه مصالح تتجاوز بسنوات ضوئية مفاهيم الأخلاق والقيم التى ما فتئ ينادى بها لذرّ الرماد فى عيون نشفت مآقيها بانتظار جودو السياسة لإنقاذها من موتها اليومى.

 

لن يلام الإبراهيمى إن عاد إلى تقاعده الباريسى خالى الوفاض من أى إنجاز، ولربما سيتصل به ناشرون لتأليف كتاب يعرض فيه لتجربته. سيُلام بعض السوريين الذين لم يفهموا منذ اليوم الأول بأنهم قد تركوا لمصيرهم.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved