الإدارة المحلية فى مشروع الدستور الجديد.. ملاحظات عامة


سمير عبد الوهاب

آخر تحديث: السبت 20 أكتوبر 2012 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

تعتبر اللامركزية أو الحكم المحلى من أهم المجالات التى تتناولها دساتير الدول المختلفة، سواء الفيدرالية أو الموحدة. فوجود إطار دستورى وقانونى واضح ومحدد للامركزية يعتبر من أهم ضمانات التطبيق الناجح لها، حيث يضع الإطار العام الذى يمنح الوحدات المحلية ومجالسها الشخصية القانونية ويحدد أساليب ممارسة المواطنين والمجتمعات المحلية للحكم المحلى، كما يحدد اختصاصات هذه الوحدات والمجالس، الأمر الذى يلزم السلطة التشريعية بإصدار القوانين اللازمة من ناحية، ويقيد سلطات الدولة فى التلاعب بهذه الأساليب والاختصاصات من ناحية أخرى.

 

●●●

 

ولما كان وضع الإدارة المحلية فى الدساتير المصرية السابقة قد شابته الكثير من العيوب والمشاكل، فقد عملت الجمعية التأسيسية المسئولة عن وضع الدستور الجديد على تلافى بعض هذه المشاكل، فجاء مشروع الدستور، متناولا الإدارة المحلية فى مصر فى فصل مستقل هو الفصل الرابع، أسوة بدستور 1923، بعد أن كانت تأتى كفرع من فروع السلطة التنفيذية فى دساتير 1956، 1964، و1971. وبذلك، يكون مشروع الدستور قد حسم قضية استقلالية الإدارة المحلية عن السلطة التنفيذية، بعد أن كانت الحكومة فى الفترة الماضية تتذرع بكونها جزءا من السلطة التنفيذية فى سبيل الحيلولة دون التوسع فى اللامركزية أوتمكين المجالس المحلية من مساءلة القيادات التنفيذية.

 

وتأكيدا لإعطاء المزيد من الحماية الدستورية للإدارة المحلية، تحدث مشروع الدستور عنها فى 10 مواد (من المادة 186 إلى المادة 195)، أسوة بما كان عليه الحال فى ظل دستور 1956، ومشروع دستور 1954، فنص على الكثير من الأمور الجوهرية المتعلقة بها. ومن هذه الأمور، النص على تقسيم الدولة إلى وحدات إدارية محلية لها الشخصية الاعتبارية، والتأكيد على أن المجلس المحلى هو الذى يمثل الوحدة المحلية، وتحديد مدتها بأربع سنوات، والإشارة إلى بعض الشروط المتعلقة بعضويتها وإلى اختصاصها بكل ما يهم الوحدات التى تمثلها وبإنشاء وإدارة المرافق والأعمال الاقتصادية والاجتماعية والصحية، تاركا للقانون أن ينظم ذلك. كما أكد مشروع الدستور أن قرارات المجالس المحلية الصادرة فى حدود اختصاصها نهائية، وعلى عدم جواز تدخل السلطة التنفيذية فيها، إلا لمنع تجاوز المجالس هذه الحدود أو إضرارها بالمصلحة العامة أو بمصالح بعضها بعضا، على أن تفصل محاكم مجلس الدولة عند الخلافات حول هذه الاختصاصات.

 

●●●

 

ولمنح الاستقلالية المالية للوحدات المحلية، نص المشروع على أن تدخل فى مواردها الضرائب والرسوم ذات الطابع المحلى الأصلية والإضافية، وعلى حق كل مجلس محلى فى وضع موازنته وحسابه الختامى.

 

وإذا كان من حق الحكومة حل المجالس المحلية، إذا خرجت على السياسة العامة للدولة، فقد قيد المشروع هذه السلطة بالنص على عدم جواز حل المجالس المحلية بإجراء إدارى شامل، وعلى ضرورة إعادة انتخاب المجلس الذى يتم حله خلال 60 يوما من تاريخ الحل، مع تشكيل هيئة مؤقتة تحل محله خلال فترة الحل لتصريف الشؤن الجارية والأعمال التى تحتمل التأخير.

 

وإدراكا من واضعى المشروع للتفاوت فى الإمكانيات بين الوحدات المحلية وبعضها البعض ولمسؤلية الحكومة المركزية عن جميع مناطق الدولة، فقد نص المشروع على أن تكفل الدولة ما تحتاجه الوحدات المحلية من مساعدات فنية وإدارية ومالية، وضمان التوزيع العادل للمرافق والخدمات والموارد وتقريب مستويات التنمية والمعيشة بين هذه الوحدات. كما ترك المشروع للقانون أن ينظم تعاون الوحدات المحلية فى الأعمال ذات النفع المشترك ووسائل التعاون بينها وبين مصالح الحكومة فى الوحدات المحلية.

 

●●●

وإذا كنا نرى أن مشروع الدستور قد تلافى الكثير من العيوب التى شابت الدساتير السابقة فى تناولها للإدارة المحلية، إلا أننا نرى أيضا أن هناك بعض الملاحظات على ما ورد فى المشروع الحالى، لعل من أهمها:

 

أولا: استمرارية المشكلة التى كانت قائمة فى ظل الدساتير السابقة والمتمثلة فى استخدام مصطلح الإدارة المحلية، بدلا من مصطلح الحكم المحلى، الأمر الذى فسره كثير من المسؤلين تفسيرا خاطئا بأن الحكم المحلى مرتبط بالحكم الفيدرالى، ومن ثم لا يجوز للمجلس المحلى فى ظل الإدارة المحلية مساءلة القيادات التنفيذية ومنحها حق الاستجواب وسحب الثقة منها. ومن هنا، نرى أن من الأفضل أن نحسم هذه القضية، وأن نسمى الأشياء بمسمياتها، فنطلق عليه نظام الحكم المحلى، أسوة بدساتير معظم الدول وبما جاء فى مشروع دستور 1954، خاصة أن ما ورد فى المشروع هو حكم محلى وليس إدارة محلية.

 

ثانيا: أن المشروع قد ذكر المراكز والأحياء ضمن الوحدات المحلية التى أشار إليها فى المادة 186، فى حين أن هذين المستويين تم استحداثهما فى عام 1975، وهناك دعوات عديدة تطالب بالغائهما أو على الأقل بإلغاء مستوى المركز، لكونه يمثل مستوى وسيطا بين المحافظات من ناحية والمدن والقرى والأحياء من ناحية أخرى، ويؤدى إلى إطالة الإجراءات، والحد من استقلالية ودور المدن والقرى، فضلا عما يترتب عليه من تعقيد للنظام الانتخابى المحلى وإرهاق المواطن المحلى فى اختيار ممثلين له فى مستويات عديدة. ولذلك، نتمنى أن يكتفى المشروع بالإشارة إلى المحافظات كمستوى إدارى أعلى وإلى المدن كتجمع حضرى وإلى القرى كتجمع ريفى، تاركا تنظيم المركز والحى للقانون، وفقا للظروف والتقديرات.

 

ثالثا: تضمن مشروع الدستور فقرة فى المادة 187 تنص على أن يضم إلى المجلس المحلى ممثلون عن الأجهزة التنفيذية فى الوحدات المحلية، دون أن يكون لهم صوت معدود. ولا نرى فائدة لهذه الفقرة، لأن وجودها يعنى أن المجلس المحلى خليط من الأعضاء المنتخبين والمعينين، وهذا وضع لم يعد موجودا اليوم فى جميع دول العالم، خاصة أن هؤلاء المعينين يتعين حضورهم قانونا لجلسات المجلس المحلى، لكونهم خاضعين لمساءلته، وليس لهم صوت معدود، إذن لماذا النص عليهم فى إطار تشكيل المجلس المحلى؟

 

رابعا: لم يشر المشروع إلى دور المجلس المحلى فى مساءلة القيادات التنفيذية، فكان يتعين النص على حق المجلس فى استجواب هذه القيادات، خاصة أن من أهم أدوار المجالس المحلية فى جميع دول العالم الرقابة على التنفيذيين ومن حقها سحب الثقة منهم، وفقا للشروط التى يحددها القانون.

 

خامسا: إذا كان مشروع الدستور قد أحسن صنعا بعدم تحديد أسلوب اختيار المحافظين، تاركا ذلك للقانون، كما جاء فى المادة 195 عن المحافظين فقط، فإننا نرى أن من الأفضل أن تتناول المادة المحافظين وغيرهم من الرؤساء التنفيذيين أو أن تأتى هذه المادة كفقرة ضمن المادة 187 تنص على أن يتم اختيارهم، وفقا للطريقة التى يحددها القانون، مع مراعاة رأى المواطنين والمجالس المحلية الذى قد يتمثل فى طلب نسبة من الناخبين طرح المحافظ أو الرئيس التنفيذى للإستفتاء عليه من جانب المواطنين أو استجوابه من جانب المجلس المحلى.

 

●●●

 

وفى النهاية، نؤكد أن مراعاة هذه الملاحظات مع ما ورد بالمشروع من إيجابيات فيما يتعلق بالإدارة المحلية سوف يمثل تطورا مهما فى مجال تأكيد أهمية ومكانة اللامركزية فى مصر، مما يجعل مصر تمثل نموذجا فى الإدارة والحكم المحلى تحتذيه دول أخرى فى المنطقة وغيرها.

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved