مسودة الدستور ومكاسب الحركة النسائية

عمرو الشلقاني
عمرو الشلقاني

آخر تحديث: السبت 20 أكتوبر 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لابد من الاعتراف بأن الحركة النسائية فى مصر بمأزق اليوم، فهى حركة خرجت أغلب «مكاسب المرأة» فيها من عباءة «نظام يوليو» خلال العقود الستة الماضية، وإن ضحى فيها من ضحى دون تصالح مع النظام. 

 

صحيح أن الحركات النسائية ناضلت طويلا فى سبيل حق المرأة فى التصويت، ولم تنل منه شيئا، وناضل معها نفر لا يستهان به من كبار رجال الدولة لذات الغرض تحت دستور 1923، ولكن دون فائدة تذكر.

 

وصحيح أن المرأة المصرية لم تنل حقها المسلوب فى التصويت لمن تريده حاكما لبلادنا إلا بعد انقلاب الجيش، وما تبعه فى العقود الستة الماضية من تصفية الحياة السياسية فى مصر بالكامل، من أحزاب ونقابات وصحافة حرة وخلافة.

 

وهنا تكمن المشكلة، فالمرأة نالت حقها فى التصويت مع صدور دستور 1956، أى فى ذات لحظة وأد الديمقراطية بالوطن، وما صاحبها من تفريغ حق التصويت عن أى معنى حقيقى له، سواء على مستوى نزاهة الترشيح، أو الرقابة على الانتخابات، أو فرز الأصوات فى صناديق الاقتراع وخلافه.

 

فلمن تصوّت المرأة المصرية؟ ولماذا تصوّت من الأساس؟ وما قيمة حق التصويت أصلا فى ظل نظام يوليو وحكم الحزب الواحد، من هيئة التحرير ووراءها الاتحاد الاشتراكى العربى ثم الحزب الوطنى الديمقراطى؟

 

هكذا انقسمت الحركة النسائية فى مصر خلال العقود الستة المنصرمة، ما بين دخول نخبتها الفاعلة فى علاقة أبوية مع «نظام يوليو»، اختارت فيها أن تستبدل «الذكورية الرأسمالية» برعاية الدولة لـ«قضايا المرأة» من جانب، سواء فى لجان ناصر، ثم قوانين جيهان، وبعدها مجالس سوزان القومية المختلفة أو بالوقوف ضدا لكل ما سبق وتحمل مشقة ذلك من جانب آخر.

 

أما اليوم، فالوضع مختلف، فلا ظهير سياسى لحقوق المرأة بعد 25 يناير، شأنهن شأن أقليات مصر الآخرى، الفكرية، والعقائدية، والفنية، والثقافية، والعرقية.. وللقارئ أن يقيس على ذلك كيفما يرى.

 

●●●●

 

نذكر كل ما فات فى محاولة لفهم ذلك الصخب الإعلامى غير المعقول قانونيا حول المادة (68) من مسودة الدستور الجديد، والتى ما أن تم الاعلان عنها يوم الأحد الماضى إلا وتهافتت الصحف وبرامج التليفزيون حولها، بكتاب وضيوف ينعون «مكاسب المرأة» وينتخبونها بعد اقتراح لجنة الصياغة لتلك المادة أمام جمعيتنا التأسيسية.

 

والرأى لدينا غير ذلك تماما، فالمادة (68) من مسودة الدستور أتت لتحل مكان المادة (11) من دستور 1971، باعتبارها المادة الأصيلة المنظمة لحقوق المرأة فى دساتيرنا المتعاقبة. 

 

وواقع الحال أنه لا فرق بين نصوص المادة الأولى والثانية، بخلاف ما هو أفضل فى المكاسب لقضايا المرأة، ومن منظور شكلى فى الصياغة بالأساس.

 

فالدولة وفق المادة (68) تكفل التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى المجتمع، ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، تماما وبالحرف الواحد مثلما كان الحال فى المادة (11) من دستور 1971.

 

بل والأدهى، تذهب المادة (68) من مسودة الدستور الجديد إلى تفعيل حقوق المرأة على نحو أبعد من دستور 1971، فهى تلزم الدولة باتخاذ جميع التدابیر التى ترسخ مساواة المرأة مع الرجل، وتلزم الدولة بتوفير خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، وتكفل للمرأة الرعایة الصحیة والاجتماعیة والاقتصادیة وحق الإرث، فضلا على إلزامها بعنایة خاصة للمرأة المعیلة والمطلقة والأرملة وغیرهن من النساء الأكثر احتياجا ــ وكلها جقوق جديدة لم ينص عليها فى دستور 1971.

 

باختصار، المادة (68) من المسودة تحمى ذات الحقوق الواردة بدستور 1971، وتذهب فى الحماية أبعد منها، فلماذا القلق إذن؟

 

●●●●

مصدر القلق مواد جديدة ظهرت فى مسودة الدستور المقترح، لا تتعلق و»مكاسب المرأة» بمفهومها الضيق، وإن قدحت فيها وحقوق أى مواطن عادى، ذكر كان أو أنثى. 

 

فالمادة (4) من المسودة تنص على أنه «یؤخذ رأى هیئة كبار العلماء بالأزهر الشریف فى الشئون المتعلقة بالشریعة الإسلامیة»، وهو نص يفتح الباب لتحويل مصر إلى دولة كهنوت، شأنها شأن إيران، ويزج بشيوخ الأزهر فى حلبة السياسة، وهم أعلى منها وأبعد عنها إن كنا صادقين فى حماية إستقلال الأزهر بعد الثورة.

 

والمادة (221) تقول إن مبادئ الشریعة الإسلامیة «تشمل أدلتها الكلیة وقواعدها الأصولیة والفقهیة ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، وهى مادة غير منطقية الصياغة من جانب، إذ كيف للمبدأ الشرعى أن «يشمل» دليله الكلى، والمبدأ «مستقى» من الدليل، لا شاملا له؟ من جانب آخر، كيف للمواطن العادى أن يطمئن لتلك الصياغة بما فيها من ترديد مفضوح لرؤية فصيل سياسى بعينه، إخوانى كان أو سلفى، لماهية الشريعة ومضمونها؟

 

تلك المادتان تتعارضان مع تاريخ الشريعة الإسلامية فى مصر، وما صاحبها من رحابة فى اختيار الشعب للإحتكام بين المذاهب السنية المختلفة، بل والمذهب الجعفرى أيضا، الذى أقره الأزهر مذهبا خامسا عند زواج الأميرة فوزية بشاه إيران سنة 1938؟  ما لم نعتبر هذا الزواج صورة من الزنا، ونقيم الحد على الأميرة فوزية اليوم وهى على مشارف عقدها التاسع من العمر؟

 

والمسئولية فى كل ما سبق لدى الجمعية التأسيسية، بما يتهددها من حكم مجلس الدولة بحلها الأسبوع المقبل، والله ولى التوفيق.  

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved