لا أحد يأسف للإزعاج

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 20 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لم يأخذ أحد كلام سيدة أمريكية على محمل الجد عندما أكدت فى مطلع تسعينيات القرن الماضى أن مجرد سماعها لصوت المذيعة التليفزيونية الشهيرة، مارى هارت، يصيبها بأزمات صرع ونوبات تشنجية. لكن بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة تبين أنها على حق وأن صوت مقدمة البرامج يؤدى بالفعل إلى زيادة فى شحنات المخ الكهربائية لدى المشاهدة، وكل ما نصحها به الإخصائيون هو تغيير المحطة.

●●●

كما قد نحب شخصا أو ننجذب إليه من خلال الصوت، تنتابنا أيضا مشاعر سلبية تصل أحيانا للغضب أو العدائية تجاه فرد معين بسبب رنة صوته وذبذباته. سؤال ظل يطاردنى لأيام وشهور: هل بدأت أكره الجارة التى يوقظنى صياحها مع فجر كل يوم تبدأه بسلسلة متواصلة من الأحاديث التى قد تستمر إلى ثلاث ساعات دون وقفات تذكر؟.. هى تثبت بالدليل القاطع والعملى ما أكدت عليه بعض الدراسات بأن المرأة تتكلم أكثر من الرجل، فإذا كان هذا الأخير يتلفظ نحو سبعة آلاف كلمة يوميا، فالأنثى نصيبها ثلاثة أمثاله أى عشرين ألف كلمة تقريبا. لأن مخ المرأة أصغر حجما من الرجل، لكن الأماكن المخصصة للإدراك العالى مثل اللغة مدعمة بالأعصاب بكثافة، كما أن المناطق المرتبطة بالتعبير الشفهى أكثر منها عند الرجل.

●●●

فى مدينة من أكثر أماكن العالم صخبا وتلوثا سمعيا، قد تتلاشى هذه الفروقات بين رجل وامرأة، فنحن نعيش تحت وطأة ضوضاء مستمرة، إذ يصل مستوى الأصوات التى نسمعها فى وسط القاهرة إلى تسعين ديسبل (وحدة قياس الصوت، أى قوته وليست سرعته). وهذه القوة لا تقل أبدا عن سبعين ديسبل، أى أننا كمن يقضى يومه بالكامل داخل مصنع يعج بالماكينات والآلات.. وهو شىء مهلك للأعصاب، يؤدى إلى تصاعد العنف والتوتر وارتفاع ضغط الدم وضعف السمع تدريجيا. فى حين أن الوكالة المصرية لشئون البيئة حددت المستوى المسموح به أو الذى تجده طبيعيا ما بين 35 و55 ديسبل. الأرقام التى أصدرتها الوكالة منذ العام 2007 لم تلق اهتماما كافيا، ربما طغت عليها أبواق السيارات وطرقعة نرد الطاولة وصياح الباعة الجائلين وسائقى الميكروباص وشجارات رواد المقاهى ومكالمات ركاب القطار فى المحمول وصفارات إنذار السرقة وقد أطلقت صراخها الممطوط الحاد.. أصوات القاهرة وناسها التى تشكل فضاءنا السمعى تحولت إلى شكل من الأشكال الاعتداء الصارخ. المخ قد يتأقلم مع الوضع، فلا ننزعج من الأصوات أكثر من غيرنا الذى لم يعتد الضوضاء، لكن الأصوات تظل هنا تضغط على أعصابنا ربما دون أن نلاحظ.. وتستمر وتتوغل وتصر حتى الانفجار.. الأطفال فى بلادى تبكى بصوت عال، وتصيح أكثر من غيرها من سكان مدن أخرى حول العالم، لمشكلات تتعلق بالتربية.. يصيحون أحيانا لأسباب تافهة وكأنهم يقولون: آن الأوان لاستنفاد كل ما تجمع لدينا من دموع.. يعتادون منذ الصغر تجاهل مشاعر الآخرين ليحصلوا على ما يريدون بالعويل.

●●●

حتى عندما حكى لى زميل عن بيت تسكنه العفاريت، شرح أنه ضمن مظاهر وجودهم إصدار أصوات حفائر حيوانات أو طرق على أوانى المطبخ و«كركبة» صحون. قلت لنفسى حتى أشباحنا تصنع ضجيجا للإفصاح عن وجودها، فالقاهرة عاصمة لا تعرف الهدوء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved