دماء.. فى رقبة الرئيس

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 20 نوفمبر 2012 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

من الظلم ــ لنا وله ــ أن يتحمل وزير النقل محمد رشاد المتينى، وحده، مسئولية حادث قطار اسيوط. فالرجل لا يشتغل فى جزيرة منفصلة، والفساد والإهمال ليسا حكرا على وزارته، وحتى مع الاعتراف بأن الرجل يتحمل مسئولية سياسية وأدبية مباشرة عن هذا الحادث المأساوى، فإن دماء الـ52 شهيدا، والأحزان التى عصرت قلوب أسرهم، كما عصرت قلوب ملايين المصريين، ستظل فى الأساس، معلقة فى رقبة رئيس الجمهورية محمد مرسى، ثم رقبة رئيس وزرائه هشام قنديل!

 

فوزير النقل الذى عجز عن حماية أرواح هؤلاء الأطفال، بتجاهله إصلاح المزلقانات وتوفير قطارات تحترم آدمية المصريين، كانت وزارته تتفاخر منذ عدة أسابيع بأنها تبحث مع اليابان مشروعا لتشغيل قطار فاخر وفائق السرعة، يختصر المسافة من القاهرة إلى الإسكندرية لأقل من ساعة، وهو ما يعكس طبيعة الانحياز الاجتماعى الذى تتبناه وزارة الرئيس، بإقامتها مشروعات تتكلف المليارات، ليست من أولويات الفقراء ومحدودى الدخل التى قامت ثورة 25 يناير من أجل توفير حياة كريمة لهم..

 

ثم ما الذى يجعل الوزير يفكر فى الانحياز إلى هؤلاء الفقراء، بتوفير وسائل نقل آمنة ومحترمة لهم، وهو يرى الرئيس محمد مرسى نفسه يتجاهل كل وعوده الانتخابية، وعلى رأسها مشروع النهضة الذى اعترف الإخوان أنفسهم بأنه مجرد وهم وسراب، كما تجاهل أيضا برنامج الـ100 يوم، وكأن شيئا لم يكن، ودون أن يكلف الرئيس نفسه الاعتذار للشعب عن عدم قدرته على تنفيذه فى هذه الفترة القصيرة، أو يشرح لناخبيه متى سينفذه، أو على الأقل ليعترف لهم بأن مصير هذا البرنامج هو نفس مصير مشروع النهضة.

 

الرئيس الذى لم يحترم وعوده التى أطلقها أمام الملايين من ناخبيه، يقدم لوزير النقل مليون مبرر لعدم احترام آدمية من يتعاملون مع مرافق وزارته.. فالوزير يعمل فى مناخ يشبه تماما نفس المناخ الذى كان سائدا فى عهد حسنى مبارك، وهو نفس المناخ الذى كان سيصاحب الفريق أحمد شفيق لو فار فى الانتخابات الرئاسية.. لافرق بين مبارك ومرسى وشفيق.. الفارق الوحيد ان الشعب المصرى انتزع حريته فى التعبير من أنياب النظام القمعى للرئيس السابق، ويحاول البعض الآن أن يسرقها منه بشعارات زائفة، لتطبيق نفس سياسات مبارك ولكن بنسبة فساد أقل!

 

 لاشك ان الرئيس مرسى يدرك أن الزهور التى تناثرت دماؤها تحت عجلات قطار اسيوط، ليسوا وحدهم الذين دفعوا حياتهم ثمنا لهذه السياسات، فملايين المصريين تحت حكم الإخوان ــ كما كانوا تحت حكم مبارك ــ يدفعون نفس الثمن الباهظ، ويموتون ألف مرة يوميا وهم على قيد الحياة.. يتسولون العلاج على نفقة الدولة.. ويبحث بعضهم عن قوت يومه فى صفائح الزبالة. .ويعيش الملايين منهم فى عشوائيات لا تليق بحيوانات الدول المتقدمة، والغالبية منهم لم تعد تتحمل الارتفاعات المتتالية فى الأسعار!

 

هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين دهس أجسادهم قطار أسيوط، هم فى الأساس ضحية مناخ هيستيرى باسم الدين والشريعة الغراء، ويتاجر بهما سماسرة ومتعصبون وأفاقون، شاركوا جميعا فى كارثة اسيوط، ولا يزالون عطشى لمزيد من الدماء!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved