الانتخابات الأمريكية والأمن القومى

ماجدة شاهين
ماجدة شاهين

آخر تحديث: الجمعة 20 نوفمبر 2015 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

لم تكن موضوعات السياسة الخارجية تقع فى بؤرة اهتمام الناخب الأمريكى، حيث تشير استطلاعات الرأى الأخيرة منذ أقل من أسبوعين إلى تصدر الاقتصاد قائمة الأولويات بأكثر من 35 فى المئة، بينما لم تستأثر قضايا الشرق الأوسط سوى بنسب متضائلة، وحظيت الدولة الإسلامية بـ2 فى المئة فقط من اهتمام الناخبين.
قامت الأحداث الأخيرة بقلب الأوضاع رأسا على عقب، سواء بالنسبة للشكوك التى تحوم حول أسباب سقوط الطائرة الروسية وتفجيرها من قبل الدولة الإسلامية فى سيناء أو مأساة باريس فى 13 نوفمبر الحالى، التى أعلنت الدولة الإسلامية مسئوليتها الكاملة عنها، وتصريحها بتبجح متناهى النظير بأن ذلك ليس سوى بداية الزوبعة التى سيشهدها العالم قريبا. وإذا ما سعى أحدٌ من بيننا للإعراب عن إدانته لهذه الفاجعة المأساوية محاولا إيضاح أن هذا هو الإرهاب الذى تعانى منه دولنا وشعوبنا طويلا، فإنه يلام على أنه يسعى إلى الصيد فى المياه العكرة وأنه يحمل فى نفسه قدرا من الشماتة، والأمر بعيد عن ذلك تماما.
وسوف يكون لهذه الأحداث تداعياتها بعيدة المدى ليس فقط على تحويل مسار الانتخابات الأمريكية وإجبارها على إعطاء مزيد من العناية بقضايا السياسة الخارجية والأمن القومى، بل ستؤدى هذه الأحداث إلى إعادة النظر فى سياسات إدارة أوباما برمتها ونظرتها اللامبالية لما يدور فى منطقة الشرق الأوسط.
فقد أخطأت الإدارة الأمريكية الحالية كل الخطأ فى حساباتها وتعاملها مع الدولة الإسلامية، كما أثبتت جهلا بالمنطقة حين ارتأت أنه يمكن لها التغلب على الجماعات المتطرفة من خلال دعم وتسليح وتبنى الجماعات الأقل تطرفا، كما أخطأت كل الخطأ عندما تركت الأزمة تستفحل فى سوريا معتقدة أنها لا تدخل فى نطاق أولوياتها ولا تمس بمصالحها المباشرة.
***
ويضع هذا علامات استفهام جديدة وصعبة أمام مرشحى الرئاسة وكيف يكون التعامل مع الدولة الإسلامية والأزمة السورية وقضايا الشرق الأوسط بصفة أساسية، وهو الأمر الذى لم يسترع اهتمام المرشحين حتى الآن، اللهم إلا بالنسبة لكلينتون والذى لا يعمل ماضيها فى الخارجية لصالحها. ويكفى أن نذكر هنا إصرارها على إيفاد سفير أمريكى إلى ليبيا، وقيام الإسلاميين بذبحه بعد أيام من قدومه، فى وقت كانت كلينتون ملمة بخطورة وعدم استقرار الوضع فى ليبيا، حيث كانت وراء هجوم قوات الناتو على ليبيا الذى دفعت به رغم معارضة أوباما له. ولا تزال كلينتون موضع مساءلة ومحاسبة من قبل الكونجرس. وذهب منافسها فى الحزب برنى ساندرز أثناء المناظرة الأخيرة للديمقراطيين فى 14 نوفمبر إلى إلقاء اللوم على إدارة بوش الابن لاستفحال الأوضاع فى العراق إلى ما نحن عليه اليوم نتيجة لحرب العراق فى 2003، وما يعنيه ذلك من انتقاد مستتر لهيلارى كلينتون التى كانت من بين القلائل فى الحزب الديمقراطى التى صوتت لصالح قرار الحرب آنذاك. أما بالنسبة للمرشحين من الحزب الجمهورى، فإنهم يفتقدون للخبرة فى السياسة الخارجية، وهو ما يبرر عدم التطرق لها بموضوعية خلال المناظرات الثلاث السابقة، واقتصر حديثهم عن موضوعات السياسة الخارجية فى نطاق الهجرة غير الشرعية من المكسيك ومستقبل العلاقات مع كوبا.
كل ذلك سوف يتغير حتما.. وسوف تستحوذ موضوعات الأمن القومى على الأولوية.. ولا مناص من أن تعود موضوعات الشرق الأوسط بتعقيداتها مرة أخرى لتقع فى بؤرة اهتمام مرشحى الرئاسة وكذا الناخب الأمريكى. وسوف تلقى سياسات أوباما حتفها بنفس الطريقة التى قام أوباما نفسه بها فور توليه الرئاسة حيث قتل سياسة سلفه بوش الابن والإقلال من شأنها ووصفها بالجهل وعدم فهم للدين الإسلامى. وسوف يوجه المرشحون ضرباتهم وبقسوة لسياسات إدارة أوباما وتحميلها وحدها وزر تصاعد بطش الإرهاب والتدهور الأمنى على مستوى العالم ككل بالنظر إلى تقاعس هذه الإدارة فى التعامل مع هذه المشكلات بالجدية التى تتطلبها.
***
أنفقت الولايات المتحدة ما يزيد عن 4 تريليونات دولار فى حربها ضد الإرهاب الإسلامى منذ أن هاجمها فى عقر دارها فى سبتمبر 2001. واعتقدت الولايات المتحدة فى أكثر من مناسبة أنها تغلبت عليه. بيد أن الولايات المتحدة وإن نجحت فى إضعاف تنظيم القاعدة، لم تتغلب على الحركة الإسلامية ذاتها التى توغلت إقليميا ودوليا. فإن هذه الحركة الإسلامية التى تعمل على إفراز التنظيمات المختلفة والمتتالية هى مزيج من السلفية الجهادية والوهابية معا، وكلاهما أيديولوجيتان متطرفتان وعدوانيتان. فكيف يمكن لمرشحى الرئاسة أن يغضوا النظر عن الحركة الإسلامية التى تمثلها الآن الدولة الإسلامية المتطرفة ولا يعتبرونها على قمة أولويات الأمن القومى الأمريكى؟
ففجاعة أخطاء تخبط سياسة أوباما وما ابتدعه من خروج آمن من العراق تارة، وتصعيد الحرب فى أفغانستان تارة أخرى، ثم العودة من جديد إلى المنطقة بحجة التدريب والمشورة، ثم انتقاد التدخل الروسى وإحياء أطماع الدب الروسى فى المنطقة، تلميحا بعودة الحرب الباردة، كل هذا التخبط لم يكن تأثيره أقل سوءا وسلبية عن سياسات سلفه، مما ساهم فى تفاقم عنف الدولة الإسلامية وجبروتها. ويتضح الأمر جليا اليوم أن مقامرة إدارة أوباما بالمنطقة ومستقبلها لم تكن أقل ضراوة عن سابقه بوش الابن. فإن تصريحات أوباما فى انتخابات عام 2008 بالانسحاب من العراق دون مبالاة بعواقب مثل هذا الانسحاب المتعجل وغير المدروس يضاهى فى خطأه قرار سابقه فى خوض الحرب ضد العراق دون أى اعتبارات للنتائج. ولكلتا السياستين عواقبهما الوخيمة التى أضرتا كل الضرر بالمنطقة وبشعوبها.
وبات مؤكدا أن المرشحين سيقومون بالمزايدة فيما بينهم بالنسبة لتصعيد الحرب ضد الدولة الإسلامية، بما يستلزمه ذلك من التدخل العسكرى المباشر. وإن كان هذا التدخل ما زال غير واضح الرؤى. فهل ستخوض الولايات المتحدة حربا ضد إرهاب الدولة الإسلامية، وبذلك تتطابق أهدافها مع الأهداف الروسية؟ أم أنها ستحارب النظام السورى بغية إسقاط الرئيس بشار الأسد، وبذلك تسكب مزيدا من الزيت على الحريق المندلع؟ أم أن رفع استعداداتها سيكون فى مواجهة روسيا وتذكيرها بأنها ما زالت هى الآمر الناهى فى المنطقة وأن روسيا تغامر فى أرضها؟
وبصفة عامة، يهاجم مرشحو الحزب الجمهورى سياسات الحد الأدنى لإدارة أوباما فى منطقة الشرق الأوسط التى ساهمت فى تفشى الإرهاب وبزوغ الدولة الإسلامية، وإن كان جميعهم ما زال يمتثل بالعموميات ولم يرق إلى الإفصاح عن أى بدائل موضوعية ومتعقلة لهذه السياسة. أما عن هيلارى كلينتون، فإنه يصعب عليها اكتساب نقاط على حساب سياسة الإدارة الحالية، حيث كانت جزءا منها منذ فترة ليست بالبعيدة. بيد أنه يتعين عليها أن تثبت استقلاليتها وابتعادها عن هذه السياسة التى لن تحظى سوى بانتقادات لاذعة فى المناظرات القادمة. وتسعى كلينتون إلى إبراز تنصلها من سياسة أوباما المتراجعة فى سوريا، بحجة أنها سبق لها أن أوصت أثناء توليها منصب وزير الخارجية فى 2012 بتسليح المعارضة السورية بغية التعجيل فى إنهاء الحرب الأهلية المتفاقمة، وهو ما رفضه الرئيس أوباما آنذاك.
***
وتغيب القضية الفلسطينية عن المعركة الانتخابية، وإذا ما توقعنا تطرق أى من المرشحين لها، فسيكون ذلك غالبا بغية مواساة إسرائيل وتعويضها عن الاتفاق النووى مع إيران. ويبدو أن فكرة ربط الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بالمصالح الأمريكية قد عفا عليه الزمن. ويغيب عن المرشحين أن هذه القضية وسياسة الكيل بمكيالين هى بمثابة الغذاء الروحى للتطرف فى المنطقة. هل يجوز للولايات المتحدة والمرشحين للرئاسة فى الاستمرار فى تهميش القضية الفلسطينية؟ ألن يدركوا حيوية التوصل إلى تسوية عادلة لهذه القضية بالنسبة لشعوب المنطقة جميعها؟
لا نتوقع سوى القليل من المرشحين. فما بالك أن كل ما قاله ترامب، الذى مازال يتصدر قائمة الجمهوريين، أنه يعد الشعب الأمريكى أنه سيجمع أفضل فريق عمل فى مجال السياسة الخارجية وأنه سيكون ملما بمشاكل العالم حال دخوله البيت الأبيض. فهل يكون هذا كافيا لرئيس محتمل لأكبر دولة فى العالم؟ وكيف يمكن للمملكة العربية السعودية التعامل مع أمثلة ترامب فى الانتخابات الأمريكية الجديدة، الذى قال صراحة إن المملكة العربية السعودية تدين بوجودها للولايات المتحدة وعليها أن تدفع مقابل مظلة الحماية الأمريكية.
وستبقى السياسة الأمريكية التى تتسم بالتخبط وعدم الحرفية فى الشرق الأوسط مستمرة إلى حين اقتناعها بأن عليها الانصات إلى الخبرة النابعة من المنطقة ذاتها. وعلى صعيد آخر، فإن الأمر يتطلب منا إعادة ترتيب أوراقنا، فإن أوروبا على استعداد أكبر للاستماع إلينا من جديد. فإن الدولة الإسلامية لم تنشأ وتترعرع على أساس الأنظمة الاستبدادية وتدنى مستويات التعليم والبطالة المتفشية وغياب العدالة الاجتماعية فقط، فإننا نقر بوجاهة كل هذه الأسباب، ولكن إرهاب الدولة الإسلامية يزدهر ويترعرع أيضا من جراء السياسات المزدوجة والصلف الإسرائيلى المؤيد بشكل مطلق من قبل الإدارات الأمريكية المتتالية. وعلى مرشحى الرئاسة الأمريكية أن يعوا ذلك جيدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved