الحق فى الخوف

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الجمعة 20 نوفمبر 2015 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة الإكونوميست مقالا تتناول فيه انتشار الخوف بين طلاب الجامعات الأمريكية، وذلك نتيجة العنف المستطرد بين الشباب، ويثير المقال ظاهرة اضطهاد حق الطلاب فى الخوف من تلك الممارسات المتطرفة من قبل طلاب آخرين، مستشهدا فى ذلك بعض الحالات فى جامعات مختلفة.
ويبدأ المقال بأن احتفالات الهالوين فى جامعة ييل امتدت لأكثر من يوم على غير العادة. وكما يحدث فى العديد من الجامعات الأمريكية، أرسل الإداريون فى جامعة رسالة عبر البريد الإلكترونى الاستشارى للطلاب قبل الليلة الكبيرة، تطالب بارتداء الملابس التى لا يعتبرها طلاب آخرون مستفزة. ونظرا لأن القانون يسمح للأمريكيين من سن 18 عاما بالقيادة، والزواج، وامتلاك الأسلحة النارية الخاصة، فى معظم الأماكن. ربما يكون من المنطقى، السماح للطلاب باتخاذ قراراتهم بأنفسهم بشأن ما يرتدون من ملابس، ومواجهة العواقب عندما تظهر صورهم متنكرين فى زى أسامة بن لادن على الفيس بوك أو انستجرام. غير أن الإصرار على معاملة البالغين كالأطفال، صار سمة من سمات الحياة فى الحرم الجامعى، ليس فقط فى أمريكا. والغريب، أن بعض المؤيدين الأكثر حماسا لهذا التطور هم الطلاب أنفسهم.
ويشير المقال إلى اقتراح أحد أعضاء التدريس بأن يبحث الطلاب وأعضاء هيئة التدريس فيما إذا كان ينبغى على الجامعة أن تسعى للسيطرة على سلوك الطلاب بهذا الأسلوب. وجاءت الإجابة بنعم، فى شكل رسالة وقعها مئات من الطلاب، وجاءت بعدها واحتجاجات دعوات لاثنين من الأكاديميين وصلت إلى الاستقالة لأن رأيهما كان عكس ذلك. وتوضح الشكوى المقدمة من بعض الطلاب فى كلية سيليمان، جامعة ييل، بأنهم لا يشعرون بالأمان.

ويبدو هذا الأمر غريبا فى الظاهر. فقد شهدت منطقة نيو هافن، المحيطة بجامعة ييل، 60 حادثة إطلاق نار فى عام 2014، أسفرت 12 حادثة منها عن وقوع قتلى. ولحسن الحظ لم يكن هناك إطلاق نيران فى الجامعة. وفى العام الماضى تم إلغاء مناظرة عن الإجهاض فى جامعة أكسفورد بعد شكوى الطلاب من أن الاستماع إلى آراء مكافحة الإجهاض، من شأنه أن يجعلهم لا يشعرون بالأمان. وتوفر العديد من الجامعات البريطانية الآن «أماكن آمنة» لحماية الطلاب من وجهات النظر التى قد يعتبرونها محل اعتراض. وأحيانا تصل المطالبة بمكان آمن إلى الفصول الدراسية. وكتبت جينى سوك، أستاذ القانون فى جامعة هارفارد، أن الطلاب هناك حاولوا إقناعها بالعدول عن مناقشة الاغتصاب فى الصف، عند تدريس قانون العنف المنزلى، خشية أن تثير بعض الذكريات المؤلمة لدى الطلاب مما يثير العنف داخل الصف.

***

ويكشف المقال أنه على غرار العديد من الأفكار السيئة، نبعت جذور مفهوم المساحات الآمنة فى الجامعات من فكرة جيدة. فقد استخدم مثليو الجنس هذا المصطلح، من قبل، للإشارة إلى الحانات والنوادى التى يمكنهم التجمع فيها دون خوف، فى وقت كانت قوانين مكافحة الشواذ سارية فى العديد من الدول.

غير أن الفكرة التى كانت تدل على مكان يمكن أن يتجمع فيه الناس من دون التعرض لمحاكمة، أعاد الطلاب اختراعها لتكون بمثابة مبرر لوأد الأفكار. ودفع منطق الخوف ببعض الطلاب إلى طلب قيام الكليات بإصدار تحذيرات قبل تدريس موضوعات تعالج العنصرية والعنف. وتم منع أشخاص مختلفين مثل كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية فى السابق، وبيل ماهر، وهو كاتب ساخر، من إلقاء خطب بدعوى الحفاظ على السلامة.

ولعل ما يدعو للاعتراض على هذا الوضع أن هناك الكثير من الأمور فى الجامعات الأمريكية تخضع للرقابة من الجامعة. ولم يلحظ المسئولون فى جامعة أوكلاهوما أن إحدى المنتسبات للجامعة، ظلت تغنى أغنية عن شنق السود على شجرة لسنوات، قبل أن يظهر الفيديو على الإنترنت. وفى جامعة ميسورى كان رد المسئولين ضعيفا على الشكاوى من السلوك غير مقبول فى الحرم الجامعى مثل نثر كرات من القطن حول الموقع، بمعنى اهانة الطلاب السود، ورسم صور مهينة على شكل صليب معقوف فى الحمام.

ولم يكن ينبغى أن يكون من الصعب التمييز بين هذا النوع من السلوك وأزياء الهالوين البغيضة. ولكن الطلاب والجامعات زادوا من صعوبة الأمر عبر مساواة العلل الصغرى بالكبرى ليتضاءل الاهتمام بالاحتجاجات. ويوضح ما حدث فى جامعة ميسورى كيف أن هذا الخلط يمكن أن يكون مدمرا: فقد حاول بعض النشطاء منع صحيفة الكلية من تغطية المظاهرة، بدعوى أن ذلك يعرض مكانهم الآمن للخطر، وهو ما أثر بالسلب على احتجاجهم.

ويختتم المقال بمفارقة، فالمعروف أن الطلاب الراديكاليين تحركوا قبل الخمسينيات من أجل الحرية الأكاديمية والحق فى المشاركة فى الأنشطة السياسية داخل الحرم الجامعى. والآن يناضل بعض خلفائهم من أجل زيادة الشرطة والرقابة على الأنشطة الطلابية فى الجامعات بسبب اضطهاد حقهم فى الخوف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved