نوبة صحيان .. يا مصر

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الجمعة 20 نوفمبر 2020 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

قد تكون المرة الأولى التى يتأهب فيها العالم لاستقبال الشتاء والعقل يتوجس والقلب ينبض بالخوف مهموما. تتغير الفصول ويظل للشتاء فى تاريخ البشر موقع فريد مميز.. للمطر فرحة وللثلج رهبة لكنها للنفس محببة تجلب معها دفء الأعياد ولمة العائلة والرغبة فى التقارب بحثا عن دفء مرغوب ماديا ومعنويا.
يأتى هذا العام الشتاء بصورة مغايرة تماما لما عرفناه وعشناه سنين وأزمانا. يأتى بوجه قاس مخيف لطبيعة صبرت على الإنسان سنوات أذاها فيها ولم ينتبه لتحذيراتها التى أرسلتها فى صور عديدة لم يأبه لها البشر وتجاهلها الإنسان حتى بعد أن أشعلت النيران فى الغابات وأرسلت عددا من فيروساتها ليصيب الطيور والخنازير وينتقل من الحيوان للإنسان وبدت تنذر بالهلاك حينما علا مد قوى الميكروبات فى مواجهة سلاح المضادات الحيوية الذى بدا متخاذلا فى مواقع كثيرة على خريطة المرض متراجعا بعد أن كان سلاح الانسان الفتاك وحامى حماه.
يأتى شتاء هذا العام وغضبة الطبيعة على الإنسان مكتملة تحاصره من كل مكان فى قسوة وعناد: ثارت المحيطات وتقلبت فيها الأمواج فوصل إلى حدودنا للمرة الأولى الأمواج العملاقة والمطر الأسود الغزير وكرات الثلج ويستعد الفيروس اللغز لهجمات شرسة كما لو لم يكن ستة وخمسون مليونا من المصابين به فى العالم عددا كافيا يرضى نهمه لأذى الإنسان وهلاكه.
للمرة الأولى فى حياتى أنتظر الشتاء بقلب مثقل وعقل داهمته الهموم وغزاه القلق. هل ستشملنا رعاية الله سبحانه وتعالى فيترفق بنا ويلقى علينا ظلا ينقذنا من مهالك أم أنه تاركنا لمصير بأيدينا صنعناه ولم نتدبر عواقبه؟
غيب الموت من زملاء مهنتى مائتين وثلاثة وهم يؤدون واجبا ورسالة أقسموا على الوفاء لها. مازالت صورة يسرى كامل تلح على مخيلتى ونحن نتنافس على توفير مستلزمات الوقاية لأبنائنا من الأطباء فى طريقهم من معهد القلب القومى إلى مستشفيات العزل فى الصعيد. زميلى وصديقى العزيز الذى اختطفه الموت بغتة أمام عينى بعد أن داهمه الفيروس اللعين. ثم لحقه محمد فريد الجندى.. بصحبة هدى رئيسة العمليات الشابة.. أصيب منا كثيرون .. واليوم يرقد محمد نصر جراح القلب الأشهر صاحب الموهبة الفذة فى جراحات القلب والشخصية المرحة التى تفتت أى مشكلة إلى شذرات بمجرد أن يلقى أحد تعليقاته الساخرة. العقل الجميل والقلب الذى يسع الجميع فيسعى بينهم دائما بالخير. الأستاذ الذى مازلنا نعول على جهوده فى تعليم شباب الجراحين الكثير.
يرقد محمد نصر الآن تحت قناع الأكسجين فى معركة مع الفيروس وقلوبنا جميعا معلقة بأمل فى رضا الله سبحانه وتعالى عنا وعنه وكلنا ثقة فى سيف يضرب به فى قوة ومهارة وعزيمة، فكلنا نعرف جيدا قدر حبه للحياة وقدرته على صنع البهجة فى أوقات الأزمات.
يدق الشتاء على أبوابنا بقوة حاملا نذر الشر ونحن مازلنا فى الشوارع بلا أقنعة واقية.. أفراحنا تملأ صورها وسائل التواصل الاجتماعى .. نرقص ونغنى ونقبل بعضنا البعض مهنئين .. متناسين تماما ذلك الفيروس الذى لا يرى بالعين .. وإن كان منا من يسقط فجأة .. نتوقف للحظة ثم ننطلق لاهين لأفراحنا السياسية والاجتماعية.
العالم كله يستعد لشتاء قاس ومعركة قادمة فأين نحن من هذا؟ نوبة صحيان يا مصر ..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved