الأوبئة لا تموت ولكن تتلاشى.. وجدل إجبارية اللقاح

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: السبت 20 نوفمبر 2021 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

التجربة أثبتت أهمية تطعيم أكبر نسبة ممكنة من المواطنين بلقاح كوفيدــ19 لتصبح إمكانية العودة للحياة ممكنة وشبه طبيعية، وكذلك العودة للعمل بشكل شبه طبيعى قبل الوباء، رغم أن إمكانية حدوث الإصابة بعد التطعيم تظل قائمة، وهذا ما حدث فى بعض الحالات من الإصابة بالكوفيد بعد التطعيم، ولكن تظل الحقيقة المؤكدة أن الإصابة تكون أخف كثيرا والحاجة لدخول المستشفيات أو لتدخل طبى أقل بكثير بفضل اللقاحات المختلفة المضادة لكوفيدــ19.
ونحن الآن فى موجة جديدة رابعة من انتشار الفيروس وكثير من الدوائر المحيطة بنا أغلبها أصيبوا بالفعل بالفيروس، وإن كان بشكل أخف وطأة من الموجات السابقة، مما يدفع للتأكيد على أهمية الحقيقة النسبية الوحيدة الأهم الآن أن اللقاحات عامل حاسم وهام فى مواجهة الوباء.
وللأهمية الحيوية والحاسمة للقاحات، اتجهت بعض الدول لتبنى إلزامية/ إجبارية التطعيم ضد كوفيدــ19، خصوصا لبعض الفئات الأكثر عرضة للخطر ولمضاعفات الفيروس بحكم عملها فى القطاع الطبى أو فى وظائف عامة أو فى وظائف حيوية وأساسية للمجتمع مثل الطواقم الطبية والعاملين فى القطاع العام والمخابز والمدارس والجامعات والنقل العام وقطاعات المياه والكهرباء.. إلخ.
•••
يعترض البعض على إلزامية التطعيم باعتبارها تعديا على الحرية الشخصية، مما يشكل مزايدة، بشكل أو بآخر، على مفهوم الحرية الشخصية أصلا، لأن الإلزامية هنا غرضها الوحيد حماية الأرواح وخصوصا أرواح الفئات الأكثر عرضة للخطر، وغرض الإلزامية عودة الحياة والعمل لحماية دخول المواطنين وخصوصا الفئات الأكثر اعتمادا على الأعمال اليومية، وانتظام حركة التعليم. بالإضافة إلى عدم إنهاك النظام الصحى وحمايته. وحتى من ناحية الحرية الشخصية، فإن التطعيم هو الحل الأمثل لعودة الاجتماعات والتنظيم والتجمعات وتقليل التدابير الخاصة والاستثنائية. ومن المهم ملاحظة أن قسما من الحركة المضادة للتطعيم يعود لأسباب دينية وثقافية، وهى حركة بالأساس يمينية انتقلت للعالم من بعض الدول الغربية.
وفى هذا السياق، تاريخية ومؤسسية العلم سواء المبنى على التطور التراكمى أو الطفرات والثورات القافزة يؤكد أن لا حقيقة مطلقة ولا يقين مطلق وأن الحقيقة العلمية على المحك دائما، كما قال كارل بوبر فيلسوف العلم المهم، بمعنى أنها قابلة للمراجعة دائما. ولقد عرفت البشرية مع انتشار الأوبئة القاتلة وخاصة فى القرن التاسع عشر فى بريطانيا أول لقاح تطعيم فى التاريخ للقضاء على الجدرى المميت من بين الأمراض الوبائية المنتشرة عالميا وقتها، وأحدث ثورة فى الرعاية الصحية، وكان كثير من البريطانيين متشككين فى هذا الأمر وقتها ولكنه، أى اللقاح، حقق انتصاره المبهر واختفى الجدرى. وحتى فى مصر بسبب جهود الوالى المستنير والأطباء الذين استعان بهم فى حملات التطعيم خاصة فى الريف، كان لكل أثر كبير إيجابى على الصحة العامة فى مصر. ومع ذلك شهدت هذه الحملات مقاومة شرسة، ولكنها نجحت فى النهاية عندما شاهد الجميع نتائجها القوية لحفظ الحياة.
وما زالت الحركة المضادة للتطعيم تشهر أسلحتها فى الوعى الجمعى البشرى فى كل مكان فى العالم لأسباب مختلفة؛ ثقافية دينية وسياسية بحجة نقص التجارب الكافية عليه أو رصد بعض أعراضه الجانبية المحدودة. ولكن بحساب المزايا والمخاطر الممكنة، وفى سياق نسبية العلم وتاريخية تطوره، لا يمكن التقليل من فوائد التطعيم عموما وإلزاميته فى القضاء على الكثير من الأمراض الوبائية أو تحجيم خطورتها مثل شلل الأطفال والجدرى والسل.. إلخ. كما يمكننا القول الآن بعد مرور قرابة عامين على كوفيدــ19 أنه لا حل جذرى له سوى تطعيم أوسع قاعدة بشرية باللقاحات المتاحة مهما كان نوعها بل وإمكانية تكرارها فى سنوات قادمة بجرعات منشطة خاصة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، هذا ما يؤكده تحليل المزايا والمخاطر وهذه حقيقة يمكن مراجعتها دوريا بطبيعة الحال فيما يخص التطعيم وجميع الأدوية عموما.
وللتذكير فإن اللقاحات المتاحة الآن أخذت موافقة منظمة الصحة العالمية وهيئات صحية دولية، بعد مراجعة جميع البيانات وتحليلها، وبعد المرور بجميع التجارب السريرية حسب البروتوكولات المتبعة. لذلك، من المهم والضرورى على كبار الأطباء والإعلام، والذين يمثلون مصدر المعلومات الأهم للمواطنين والمواطنات، أن لا ينجرفوا خلف المعلومات المضللة حول اللقاحات.
•••
وأخيرا، فى مصر ما زال أمامنا الكثير من العمل والجهد للتوسع فى حملة التطعيم القومية والوصول لأكبر نسبة من السكان باللقاحات فى أسرع وقت، وما زلنا أيضا ننتظر المزيد من الشفافية والبيانات الدقيقة حول وضع التطعيم فى البلاد، على شكل بيانات يومية تصف الوضع بدقة من حيث عدد المواطنات والمواطنين الحاصلين على جرعة واحدة أو جرعتين وكمية اللقاحات المتاحة فى البلاد بشكل عام، وعدم الاكتفاء بالتصريحات الخبرية التى تكون على فترات زمنية متباعدة لا تكفى للتعامل مع سيل المعلومات المضللة عن اللقاحات بشكل عام من ناحية، ولكسب ثقة المواطنات والمواطنين وإعمالا لحقهم فى المعرفة من ناحية أخرى.
وصدرت دراسة من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، تعتبر الإصدار الثالث ضمن سلسلة دراسات أعدتها التعبئة والإحصاء والتى ألقت الضوء على مدى انتشار وخطورة فيروس كورونا المستجد فى مصر. وتتضمن الدراسة تحليلا مفصلا لعدد الإصابات والوفيات فى مصر ومحافظاتها سواء للمصريين أو الأجانب منذ 30 ديسمبر 2020 حتى 29 يونيو 2021، وتتضمن بعض المعدلات الهامة مثل معدل نمو الإصابات للمصريين ومعدل الإصابة لكل مليون من السكان، كما اهتمت الدراسة بمقارنة أهم مؤشرات انتشار وخطورة الفيروس فى الثلاث موجات لفيروس كورونا، وهو مجهود طيب ومفيد.
كما أن المزيد من الدراسات مطلوب من جهات غير حكومية لها طابع علمى وأكاديمى ومسحى مثل ما نشر عن الجماعة الأمريكية بالمشاركة مع المجتمع المدنى بعنوان (سياسات حماية الرعاية الصحية أثناء جائحة فيروس كورونا المستجد: دروس نحو تطبيق قانون التأمين الصحى الشامل المصرى الجديد)، وهناك دراسة أخرى يعدها قسم الصحة العامة بجامعة عين شمس مع مؤسسة مجتمع مدنى صحية عن التعامل مع الجائحة.
ومن المفيد توثيق جهود المجتمع المدنى العامل فى الصحة، سواء البحثى أو الميدانى أو الخيرى، للتعلم والخروج بدروس للعمل عليها مستقبلا.
وفى الخلاصة، فإن الأوبئة والجوائح الصحية الكبرى تتلاشى مع الوقت، ولكن الفيروسات أو مسببات الأمراض لها قد لا تختفى نهائيا، فنادرا ما استطاعت البشرية إنهاء مرض ما، ولكن بالتأكيد تم تحجيم خطورة العديد منها، ولذلك من المهم الدراسة والاستفادة من الدروس والتجارب خلال العامين الماضيين.
خبير سياسات صحية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved