لماذا لا يوجد لدينا زهران ممدانى فى البرلمان؟
محمد علاء عبد المنعم
آخر تحديث:
الخميس 20 نوفمبر 2025 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
بدأت الحملة الانتخابية لمجلس النواب المصرى، وقبلها انتهت انتخابات مجلس الشيوخ، ولا يكاد كثير من المصريين والمصريّات يعرفون عنهما إلا النُّزر اليسير. وارتبطت بداية الانتخابات ونهايتها بلقاءات وبرامج فى القنوات التليفزيونية تناولت فى غالبيتها مراحل العملية الانتخابية وأهمية المشاركة.
ربما وُجدت استثناءات بخصوص أهمية العملية الانتخابية، خاصة فى مناطق وتجمعات ترتبط فيها الانتخابات بترتيبات قبلية أو عائلية أو ما شابه، فيصير الموسم الانتخابى فرصة للحشد والتعبئة السياسية.
شابت الانتخابات الفردية لمجلس النواب تجاوزات تتعلق بإدارة العملية الانتخابية واستغلال الأموال للتأثير على الناخبين، الأمر الذى استدعى تدخل رئيس الجمهورية لمطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات أن تتحرى الدقة فى فحص هذه التجاوزات والطعون المقدمة بشأنها، حتى تكون الانتخابات معبرة عن إرادة الناخبين الحقيقية. وتم على أثر هذا إلغاء نتائج الانتخابات فى 19 دئرة بسبع محافظات من محافظات المرحلة الأولى.
على الجانب الآخر، فازت القائمة الوحيدة «من أجل مصر» بالمقاعد المخصصة للقوائم فى المرحلة الأولى، بنسبة مشاركة لا تزيد عن رُبع عدد من لهم الحق فى التصويت.
وكان مما استوقفنى أخيرا أننى لم أجد استطلاعا واحدا منشورا على موقع مركز «بصيرة» حول الانتخابات، وهو أحد أهم مراكز استطلاع الرأى فى مصر. ولا أعرف إن كان سبب هذا الغياب هو عدم الاهتمام بالانتخابات، أم لتوقع أن الناس لا تعرف الكثير عنها، أو ربما لسبب هو مزيج بين الاثنين، أو لأسباب أخرى لا أعرفها.
• • •
ارتبطت الحملات الانتخابية بانتشار صور أنيقة للمرشحين، يتزين كثير منهم بألوان علم مصر، مع ابتسامة هادئة واثقة، ولم تعبأ غالبية المترشحين حتى بصياغة شعار يُضاف إلى الصورة كتعبير عن توجه عام، باستثناء أقلية أضافت جملا شديدة الاختصار عن الاهتمام بالناس والحب والإخلاص.
ولا أعرف كيف يمكننى كناخب أن أختار مرشحا أو مرشحة دون رسائل أكثر وضوحًا عن مواقف سياسية من قبيل تأييد أو معارضة قانون الإيجار القديم/الجديد، وقانون الإجراءات الجنائية، والموقف من مجانية التعليم، بما فى ذلك التعليم الجامعى، وتمويل الرعاية الصحية.. إلخ.
• • •
على جانب آخر، لم يُخفِ عدد من المثقفين والمتابعين المصريين إعجابا وأملا بنتائج انتخابات عمدة نيويورك الأخيرة، التى فاز فيها بمنصب عمدة أهم المدن الأمريكية الشاب المسلم الثلاثينى زهران ممدانى، المولود فى أوغندا لأبوين من أصول هندية.
ربما أعجبتهم رسالة الأمل فى حياة سياسية نشطة، ومجتمع قادر على تصحيح أخطائه، وديمقراطية تعد بالعودة إلى التوازن، فى عالم آخر تفصلنا عنه مسافات معتبرة.
لا أسعى لعقد مقارنة بين النظامين المصرى والأمريكى، ومن الخطأ أن نرجع كل عوار سياسى لدينا إلى مؤسسات حالية أو ماضٍ قريب؛ فالنظم السياسية والممارسات الديمقراطية تتطور وتترسخ عبر الزمن، ومن المجحف أن نقارن نظامنا فى مصر بالنظام الأمريكى الذى تأسست فيه الأحزاب والتوازن بين السلطات وتداول السلطة وحرية التعبير والتنظيم منذ سنين طويلة، واستند هذا التطور إلى تطورات أخرى فكرية واقتصادية واجتماعية، وهو مع هذا بعيد عن الكمال، وتنخر فى عظامه آفات العنصرية والطبقية وسيطرة المصالح الضيقة ورأس المال السياسى وغيرها من الموبقات.
ورغم ما بيننا وبينهم من اختلافات، فقد أثار انتخاب زهران ممدانى لدى البعض، وأنا منهم، عدة تساؤلات أساسها ما يجمع مختلف المجتمعات من هموم سياسية واجتماعية وثقافية، أراها تستحق النقاش، وربما الدراسة الأكاديمية فى مرحلة لاحقة.
ماذا يمثل ممدانى؟
يمثل انتخاب زهران ممدانى أملا فى إمكانية سيطرة الناس على مقدراتهم، وتحدى الفئات المسيطرة، وصياغة رسالة اجتماعية وبدائل سياسية وقيادة تحرك جماهيرى يضمن أن تبقى الديمقراطية نظاما يحكم من خلاله الناس أنفسهم بأنفسهم.
إنه الأمل فى قدرات التنظيم النابع من شرائح المجتمع الدنيا ليغيّر السياسات العامة لصالح الغالبية من المواطنين والمواطنات.
لقد جاءت البداية من المحليات؛ شاب مهاجر ارتبط بقضايا العمل العام وتطلعات الغالبية من الطبقات الاجتماعية الكادحة، بداية من عمله كمتطوع فى حملات انتخابية محلية، وصولا إلى الفوز فى انتخابات 2020 بعضوية المجلس التشريعى لولاية نيويورك بعد انتصاره بجدارة فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى على النائبة العتيدة Aravella Simotas التى شغلت المنصب لخمس دورات متتالية.
وقفت حملة ممدانى فى 2025 أمام منافس آخر من الحزب الديمقراطى هو حاكم ولاية نيويورك السابق أندرو كومو، وهو ابن ماريو كومو الذى حكم ولاية نيويورك هو الآخر لثلاث دورات متتالية. ورفض كومو الابن فوز ممدانى بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى، فدخل الانتخابات مستقلا.
لم يتحدَّ ممدانى اتجاها غالبا فى حزبه الديمقراطى فحسب، بل تحدى كذلك سطوة رأس المال السياسى، وجاء حشد الإمكانيات لحملته الانتخابية بتبرعات صغيرة فى مقابل الملايين التى ضخها ضده عتاة الرأسمالية الأمريكية وأنصار ترامب وداعمو إسرائيل.
وهكذا تحدّت حملة ممدانى الصاعدة من الأسفل إلى الأعلى كلا من التوريث ورأس المال السياسيين.
• • •
إذا كنا نريد لبلدنا الاستقرار، ولسياساتنا أن تكون لصالح الغالبية من المواطنين والمواطنات دون إقصاء، علينا أن ندرس أسس التنشئة السياسية التى تسمح بظهور قيادات إصلاحية واعية للعمل العام مثل زهران ممدانى، الذى افتقدت أمثاله انتخاباتنا التشريعية الأخيرة، ربما لغياب البيئة التى تسمح بنشاط سياسى واجتمعى وتنموى تتطلع إليه قطاعات من الشباب المصرى الواعى.
علينا أن نسأل بوضوح وشفافية عما قدمته البرامج الشبابية التى تبنتها الدولة لتأهيل الشباب لقيادة العمل العام، وغيرها من المبادرات والجهود التى عبرت عن نية أراها صادقة لتخريج أجيال من الشباب الواعى والقادر على قيادة العملية السياسية والإصلاح الإدارى فى مصر.
باعتبارى باحثا أكاديميا، أتمنى أن أرى دراسة أو تقييما أكاديميا لما حققته هذه البرامج، والدور الذى قام به الشباب الذين شاركوا فيها فى إثراء العمل العام من خلال المناصب المحلية والقومية التى تولوها عقب هذا التدريب.
علينا أن نسأل عن ارتباط هؤلاء الشباب بقضايا العمل العام، وما إذا كان التدريب الإدارى قد غلب على التأهيل السياسى فى البرامج التى تم إعدادها لتأهيل هؤلاء الشباب، ما أثّر سلبا فى قدرتهم على صياغة رؤى سياسية تجاه قضايا هامة لملايين المصريين فى مجالات مثل الإسكان والرعاية الصحية والتعليم، ومن ثم عزلهم عن العمل العام الحقيقى.
علينا كذلك أن نسأل عن دور المؤسسات السياسية فى تأهيل الشباب للحياة السياسية. أى دور تلعبه الأحزاب؟ وأى دور تلعبه مؤسسات الدولة؟ لقد انتقد رئيس مجلس النواب المصرى الحكومة عند مناقشة قانون الإيجار الجديد لافتقارها إلى البيانات اللازمة لتقديم مقترح قانون بهذه الأهمية والتأثير للمناقشة البرلمانية. فهل يمكن فى هذا الإطار توقع ظهور قيادات سياسية شبابية أو حركات اجتماعية تتبنى قضايا نحتاجها كما يحتاجها سكان نيويورك فيما يتعلق بتثبيت الإيجارات وتعميم دور الحضانة للأطفال وتحسين المواصلات العامة، إلى جانب إصلاح النظام الضريبى ومناقشة أولويات الإنفاق العام؟
علينا أن نعترف بأن نظام القائمة المغلقة المطلقة لا يمكن أن ينتج قيادات تتفاعل مع احتياجات وقضايا سياسية تهتم بها فئات هامة من المواطنين والمواطنات، ومن ثم تفقد الانتخابات أحد أهم أسباب وجودها وهو التمثيل السياسى.
علينا كذلك أن نعترف بأن العمل السياسى الذى من شأنه إنتاج قيادات قادرة على تمثيل احتياجات الناس والدفاع عن مصالحهم يبدأ من المحليات، ومن ثم يجب أن تكون الديمقراطية المحلية وعودة الانتخابات التشريعية المحلية على قائمة أولويات البرلمان القادم، وكذلك على أجندة أعمال مراكز الدراسات والبحوث، خاصة بالجامعات، والحوار الوطنى حال استئناف عمله.
• • •
لقد عانت مصر من اضطرابات سياسية بعد 2011 كانت لها تداعيات سلبية على شتى مناحى الحياة.
ولكى نتحضر للمستقبل، علينا أن نتذكر أن المجتمعات النشطة هى تلك القادرة على تصحيح مسارها من خلال العمل السياسى السلمى وطرح تصورات لإصلاح السياسات العامة بما يسمح لعموم المواطنين والمواطنات أن يجدوا رسالة إصلاحية تعبر عنهم وتمنحهم أملا فى المستقبل.