لا جدوى.. من «النووى»

يوسف الحسن
يوسف الحسن

آخر تحديث: الإثنين 20 ديسمبر 2021 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

دعونا نصدق، أننا اليوم أمام عالم جديد، نأمل أن تكون فيه «إرادات» عواصم كبرى وأخرى مهيمنة، قد اقتنعت بضرورة وقف الصراعات النزقة، والسياسات المشينة فى البيئة الدولية، ودعونا نُذكِّر أيضًا، أصحاب «الرءوس الحربجية والحارة» فى الإقليم الكبير «الشرق أوسطى» والعالم، بأن لا أحد فى إقليم الخليج والجزيرة العربية بخاصة، والوطن العربى بعامة، يفضل استمرار الإقامة مع الهلع، أو النوم مع القلق والتوجس والمواقف الملتبسة، أو حتى خوض اختبارات عسيرة جديدة، من الحروب والصراعات والتوتر، والانزلاق إلى مواجهات عسكرية، كلفتها من الأرواح والموارد واللاجئين واللاجئات باهظة، وتداعياتها وخيمة.
لقد شلَّت أزمنة الصراعات والإرهاب والسياسات المتهورة أوطانًا، وشوهّت خرائط، والتهمت بشرًا، وعطّلت تنمية، وخلّفت المرارات والأحقاد، ومسخت حتى «روح الشرق» المتصالح مع التنوع والتعدد والتسامح والتعاضد.
نعم.. تعايشت شعوب هذا الإقليم، مكرهة، فى العقود الأربعة الماضية، مع النيران المشتعلة فى أرجاء الإقليم وحدائقه الخلفية، ودفعت أكلاف هذا التعايش المر، وتداعياته وشروطه، ولم ينجح الإقليم، أو يُمكَّن، من اجتراح لقاحات ناجعة ومستدامة لإطفاء الحرائق، وتسوية الصراعات بالتى هى أحسن (الكل رابح)، وبناء نظام للأمن الجماعى التعاونى والتنمية المشتركة، تحكمه قواعد انضباطية عالية، وثقة متبادلة، بعيدًا عن منطق المصالح المطلقة لطرف من الأطراف، أو سياسات الغلبة وكسر الإرادات، ومسلكيات التهور والغطرسة والأنانية والانتهازية.
ولم تكن البيئة الدولية، فى تلك المرحلة، نظيفة من المسلكيات والسياسات المشينة المذكورة سابقًا، فقد ضعفت فيها المعايير الضابطة للتفاعلات بين الدول، وارتفع منسوب «ثقافة الصراع» الاقتصادى والتجارى، والتيارات السياسية اليمينية المتطرفة، ومسلكيات المعايير المزدوجة، والذرائع الكاذبة لتبرير السطو، وتعرضت تحالفات إلى شىء من الهشاشة، وبرزت قوى دولية صاعدة، هزت موازين القوة التى كانت سائدة فى العالم، فى ظل تحولات ومتغيرات تكنولوجية ومعلوماتية جذرية ومتسارعة، وتغيرات ديموغرافية وهجرات بشرية غير مسبوقة، وأنساق صراعية مستجدة فى الفضاء والاتصال.. إلخ.
•••
ما يعنينا فى هذا المقال، هو ملاحظة حال الإقليم الكبير، الوطن العربى ودول الجوار الجغرافى، بعامة، والنظام الإقليمى الخليجى بهويته العربية، وعمقه العربى، بخاصة. وما يلوح فى الفضاء العام من حركة وفرص فى تنامى مسارات التهدئة والمصالحات، وخفض التوتر والتصعيد، وتراجع حدة الاستقطاب، وإعادة الاعتبار لسياسات «حسن الجوار» كأساس للاستقرار والتعاون. وتحاشى خيارات الحسم العسكرى، فى حل النزاعات، باعتبار أن الإنهاك المتبادل بين الأطراف المتنازعة، طريق وعر وأكلافه باهظة ومُولِّد للأحقاد. من الشجاعة والحكمة فى آن، الإقدام على مراجعة السياسات واستشراف الغد، فى ضوء التحولات والمتغيرات فى الإقليم والعالم، والسعى لإعادة «هندسة» النظام الإقليمى، من خلال الحوار المتكافئ، وإجراءات متينة لبناء الثقة المتبادلة، وتأسيس تفاهمات تساعد فى تبديد المخاوف والقلق بشكلٍ واقعى، وعدم كنسها تحت سجاد المجاملات والغموض، واعتماد المسئولية المشتركة، والمصالح المشتركة، والأمل.. هو أن تدفع هذه المبادرات والمراجعات، أصحاب النوايا الطيبة، والذين اختاروا التنمية والازدهار، والاستثمار فى الأمل والاستقرار، باتجاه حوار إقليمى، داخل الإقليم ومحيطه القومى والجغرافى والحضارى المشترك، لبناء سلام مستدام، وتعاون وأمن جماعى، فى إطار سلام (وستفالى شرق أوسطى، وفاقى ومتكافئ وعادل، ويحمل تأشيرة إلى المستقبل).
قد نتفاءل كثيرًا، ونصل إلى توقعات طموحة، إلا أن التواضع والصبر ضروريان، وكذلك الحذر من ضغوط «لاعبين» هنا وهناك، لا يقتاتون إلا من إدامة الأزمات، واللعب والتنمر فى الفراغات السياسية، وتشتيت الانتباه، وعرقلة التفاهمات والتهدئة، وإفساد التسويات.
تتطلب إجراءات بناء الثقة المتبادلة، والتفاعل الإيجابى، إشارات ومبادرات وخطوات متكافئة، من كل الأطراف الساعية للتهدئة والتعاون الإقليمى المستدام وتسوية النزاعات، بعيدًا عن المصالح المطلقة، وعن التهديدات والغطرسة، أو الإضرار المتعمد بمصالح الأطراف الأخرى، أو إنكار الحقوق المقررة فى القانون الدولى.
ولإجراءات بناء الثقة، فوائد كثيرة، من بينها، أنها تجعل الأطراف أكثر استعدادا للحوار والاستجابة للتفاعل، وتفهمًا لمتطلبات الآخرين.
فى الحوار والتفاعل، والذى فتحت الإمارات أبوابه فى الإقليم، فى السنوات الأخيرة، (وفى الواقع، هو جزء من إرثها السياسى)، قد نتوقع أن تكون إيران قد سمعت خلاله، أن منظومة الخليج العربية، والأخرى القومية، ومعهما الصين وروسيا، غير راغبة أن تكون جزءا من جهود عزل إيران سياسيًا واقتصاديًا، ولا تريد رؤية إيران مسلحة نوويًا، (رغم أنها قد تكون قد وصلت إلى عتبة نووية شبيهة باليابان)، وتسعى هذه المنظومة منذ خمسة عقود، لإعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووى، وقد تسمع إيران أيضًا، أن أهل هذه المنظومة، يتوجسون قلقًا، من استمرار إيران الاعتماد على «وكلاء» لها فى دول عربية، فى ظل معالجات وتسويات سياسية جارية، لأزمات فى سوريا والعراق واليمن ولبنان، كما نتوقع أن تكون تركيا، قد أدركت أن محيطها المتشارك معها بالجوار والمشترك الحضارى الواحد، والمصالح المشتركة، هو الأولى بالتعاون والتصالح وتصفير الخلافات، ولعل تركيا تفهمت أيضًا هواجس دول عربية، وأدركت مدى الأكلاف الباهظة التى لحقتها (سياسيًا واقتصاديًا)، بفعل انخراطها فى تداعيات ما سمى بالربيع العربى، وهى تداعيات كارثية بكل المقاييس. ولعل الحوار والتفاعل يساعدانها على وقف سعيها لتعزيز وجودها العسكرى فى مناطق الصراعات فى أراضٍ عربية، وإنهاء رهانها على تنظيمات إسلاموية، سياسية وجهادية، ثبت فشلها، وتشرذمها، وألحقت الكثير من الأذى والتشويه، للأوطان وكرامة الإنسان والدين.
•••
هناك توجس حقيقى، وعظيم الشأن، ولا يستقيم الأمن الجماعى للإقليم، من غير حسمه وتأسيسه، ألا وهو «حظر الانتشار النووى» وغيره من أسلحة الدمار الشامل فى إقليم الشرق الأوسط، وهو موضوع مضى حتى الآن نحو خمسة عقود، على تبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة له، واعتمدته جميع الدول العربية، كإعلان دولى، وتبنته إيران ومصر، فى وقتها، وتكرر ذكره فى بيانات القمم العربية والخليجية، وانضمت دول العالم والدول العربية بلا استثناء، إلى معاهدة عدم الانتشار النووى الدولية، وعلى قاعدة أن أمن قلب الشرق الأوسط، لا يتحقق إلا بالتوازن بين كل أطراف المنظومة السياسية والأمنية والعسكرية فى الإقليم. فى حين لم توقع عليها إسرائيل والهند والباكستان. إن فكرة إخلاء إقليم ما، من السلاح النووى، فكرة منفذة فى مناطق جغرافية كثيرة: فى أميركا الجنوبية، والبحر الكاريبى (1967) وتضم 33 دولة، وأثبتت فعاليتها واستمراريتها، وكذلك الحال بين دول جنوب المحيط الهادئ (1986)، وتضم 12 دولة، ومنطقة القارة الأفريقية. وتضم 52 دولة، ومن بينها عشر دول عربية إفريقية، هناك أيضا منطقة جنوب شرق آسيا (1996) وتضم عشر دول، ومنطقة دول آسيا الوسطى (1997) وتضم خمس دول.. إلخ.
وفى إطار تلك المعاهدات الجغرافية، تخلصت أوكرانيا وروسيا البيضاء وكازاخستان، وجنوب أفريقيا (كان لديها سبع قنابل نووية) من أسلحتها النووية، كما تخلصت دول أخرى من اليورانيوم عالى التخصيب، مثل كندا والمكسيك وتشيلى، وغيرها.
وقد أثبتت كل هذه المعاهدات والسياسات فعاليتها، ودورها الكبير فى بناء الثقة المتبادلة، وتوفير الضمانات الملزمة والمباشرة، وفى أطر تعاقدية، كما قدم مجلس الأمن الدولى ضمانات دولية أخرى.
إن مبدأ حظر امتلاك الأسلحة النووية. يمثل مطلبًا أساسيًا، يسبق إنشاء أى نظام أمن إقليمى، أو رابطة جوار إقليمى، اليوم.. بحاجة ماسة إلى إحياء الجهود العربية والدولية لإنجاز معاهدة ملزمة لدول الإقليم الساعية للحوار والتعاون والاستقرار، إن الإقليم لا يحتمل مواجهات عسكرية تحرق الأخضر واليابس، فى ظل رءوس حامية هنا وهناك.
قصارى القول..
إن الأمن الإقليمى تحت المحك، ويحتاج إلى مبادرات حكيمة وشجاعة، كما أن التأسيس لمعاهدة إخلاء، لا يشترط بالضرورة انضمام جميع الأطراف إليها فى البداية، لكن الجميع، ومن هو نووى كإسرائيل، أو على عتبة النووى كإيران، سينضم إليها، إذا ما رفع الغطاء عن «الألعاب السريالية السياسية، والغطرسة المشينة» فى البيئة الدولية.
مفكر عربى من الإمارات
الاقتباس:
إن مبدأ حظر امتلاك الأسلحة النووية. يمثل مطلبًا أساسيًا، يسبق إنشاء أى نظام أمن إقليمى، أو رابطة جوار إقليمى، اليوم.. بحاجة ماسة إلى إحياء الجهود العربية والدولية لإنجاز معاهدة ملزمة لدول الإقليم الساعية للحوار والتعاون والاستقرار، إن الإقليم لا يحتمل مواجهات عسكرية تحرق الأخضر واليابس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved