تأثيرك

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 21 يناير 2017 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

إذا رحل أحد العلماء عن دنيانا فإن ما يحدث بعد رحيله يدلنا عليه، دعنى أشرح ما أعنيه هنا، إذا ما ظلت أبحاثه وأعماله حية تساعد الباحثين وتساعد في تقدم البشرية فإن هذا يدلنا على مقدرته كعالم وإذا ظل طلابه يتذكرونه ويذكرون تأثيره عليهم فهذا يدل على مقدرته كمعلم وإذا رحل في هدوء دون أن تضج القنوات التليفزيونية والصحف بذكر محاسنه فهذا دليل على أنه كان عالماً حقيقياً لا يهتم بالعلاقات العامة والشهرة وإن كانت هناك بعض الاستثنائات لهذه النقطة الأخيرة.

مقال اليوم هو مجرد نظرة سريعة على ماهية تأثير العالِم في العالَم ويمكن أن نعمم ذلك إلى تأثير أي شخص في هذا العالم، كثيراً ما أقابل أشخاصاً (في المجال الأكاديمى أو خارجه أو في المجال العلمى أو خارجه) يشعرون بحزن بالغ على مرور الأيام دون أن يؤثروا في هذه الدنيا وأجدهم يشعرون أن حياتهم ضاعت هباءً، كيف يمكن معرفة تأثيرك في هذا العالم؟

أولاً علينا أن نفرق بين شيئين: من يعرف أنه أثر في العالم بشكل ما ولكن يشعر بغبن نتيجة عدم تقديره وبين من يشعر أنه لم يؤثر في هذا العالم ويشعر بحزن لذلك.
بالنسبة للشخص الأول نقول أننا نتفهم تماماً أن النفس البشرية تحب التقدير ونحن لسنا ملائكة كى ندعى أننا لا نحب التكريم والجوائز، ولكن يمكننا أن نحاول أن نقنع أنفسنا "بنوع" الجوائز الذى نرضاه وأعز وأقيم نوع من التكريم هو من يأتي من دائرتك الصغيرة: عائلتك وأصدقائك وطلبتك وهذا لا يعنى أن تأثيرك قليل لأن تغيير حياة شخص ليس بالشئ القليل لأن من يتواجد في دائرتك الصغيرة لن ينافقك وقد تؤثر في شخص وهذا الشخص يؤثر في العالم فتكون لك يداً في ذلك! تأثيرك في الناس وشعورهم بالإمتنان لذلك أفضل كثيراً من الجوائز المالية! أما إذا كنت تبحث عن الشهرة فمقالنا ليس لك!

النوع الثانى وهو الذى يشعر بحزن لإعتقاده أنه لم يترك تأثيراً في هذه الدنيا حتى الآن نقول له أنه مخطئ لأنه لا أحد لا يترك تأثيراً ولكن تعريفنا لمعنى كلمة تأثير هو مايحتاج لضبط، عندما تقول أنك أثرت في هذا العالم لا يعنى أنك أن تأثيرك معروف للجميع، مثلاً كلنا نعرف مخترع التليفون ألكسندر جراهام بل ولكنه لم يصل لذلك وحده ولكن مع مساعديه، هؤلاء المساعدون أثروا في هذا العالم ولكننا لا نعرفهم، إختراعات كثيرة لتوماس ألفا إديسون كانت من أفكار أو مساعدة جيش من المخترعين والفنيين الذين لا نعرف أسمائهم ولكنهم أثروا في العالم، من أثر في العالم أكثر: صاحب النظرية العلمية؟ أم من استخدمها لإبتكار تكنولوجيا معينة؟ أم من رأى أن هذه النظرية تصلح لصناعة منتج معين؟ عندما نتكلم عن التأثير في العالم كثيراً ما يقفز إلى الأذهان إسم ستيف جوبز المدير التنفيذي السابق لشركة آبل ومنتجات مثل الأيبود والأيفون والأيباد، هل ستيف جوبز مكتشف أية نظريات علمية؟ لا! هل هو مهندس نقل النظرية للتطبيق؟ لا بل أن أول جهاز كمبيوتر أنتجته آبل كان من تصميم ستيف وزنياك لأن ستيف جوبز لا يفقه في التكنولوجيا، إذا كيف أثر في العالم؟ هو من رأى أهمية تطبيق نظرية معينة لصنع منتج معين، ولكن لم نكن لنحصل على هذا المنتج دون النظرية العلمية ودون جيش من المهندسين وكل هؤلاء أثروا في العالم، إذاً الشهرة ليست مقياساً للتأثير في العالم فقد يشتهر من سرق مجهود غيره أو من كان بارعاً في تسويق مجهوده وفى استخدام شبكة معارفه!

إذاً إذا أعطيت فكرة لشخص ساعدته في عمله فأنت قد أثرت في العالم، إذا أدخلت السعادة على قلب بعض الناس فساعدهم ذلك على إتقان عملهم فأنت قد أثرت في العالم، إذا علمت طلبتك فرع من فروع العلم واستخدموه في عملهم بعد ذلك فأنت قد أثرت فى العالم ... وهكذا.

المؤلف كليتون كريستنسن (Clayton M. Christensen) وآخرون ألف كتاباً في العالم 2012 كان له أكبر الأثر في حياة الكثيرين، كليتون هو مؤلف كتاب سابق عنوانه (The innovator's dilemma) أو "معضلة المبتكر" وهوتقريباً الكتاب الوحيد الذى قال ستيف جوبز أنه قد أثر فيه، المهم الكتاب الذى يهمنا هنا عنوانه (How Will You Measure Your Life?) أو "كيف تقيس حياتك" وهو هنا لا يتحدث عن تأثيرك على الآخرين ولكنه يتحدث عن كيف تقيس السعادة في حياتك وإذا عرفت ذلك فأنت تستطيع أن تؤثر في حياة الناس.

وأنت في قاعة المحاضرات تدرس للطلاب فأنت تغير العالم، وأنت تكتب مقالاً (علمياً كان أو أدبياً) فأنت تؤثر في العالم! إلى كل أساتذة الجامعة والمدرسين والعلماء والباحثين حتى الذين لا يحصلون على شهرة أو مال أو جوائز أنتم تؤثرون في العالم! كل من يقوم بعمله بجد ويتعامل بحب مع الناس يؤثر في العالم ... كلنا نعرف ذلك ولكن نحتاج من يذكرنا ... ويقنعنا...

هل أثرت في هذا العالم؟ أعتقد أنه نعم!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved