لا نريد مستقبلا يشبهنا

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 21 يناير 2023 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب نصرى الصايغ، ذكر فيه عدة أدلة على استحالة توقع مستقبل مشرق للبنان، وقال إن الحل الوحيد هو إعدام كل من تجرأ على نهب وقتل لبنان... نعرض من المقال ما يلى:
أخشى أن يعيدوا إلينا لبنان، كما كان. كل ما يقال، قيل من قبل. مجرد ثرثرة سياسية. سخافات وتفاهات. سقطت لغة التفاؤل. وبرغم ذلك، لا تزال الكلمات تكذب، خلص.
أجمل هدية للشعب اللبنانى، بعد أعوام السواد وعقود الفشل وأزمنة الفحش والسرقة و… هو أن تؤلف جملة مفيدة، تخبرنا فيها فقط، عن وقف الانهيار الشامل. نعم، لا نتوقع تغييرا. فليكن رهاننا البائس فقط، هو الحفاظ على الغد فقط.. فى ظنى أن المستحيل عقيدة مقيمة وناجحة. وهذه الأدلة:
ــ انتخاب رئيس للجمهورية! كذب. المشكلة ليست فى ملء الفراغ أبدا. كان لبنان، منذ ثلاثة عقود، قد عقد سياسته على الفشل. بل الإفشال. لبنان، مع رئيس، لا يختلف كثيرا، عن لبنان برئيس منتخب.
ــ تأليف حكومة جديدة. كذب. طول عمرنا وحكوماتنا ضدنا. تذكروا كيف تقاسموا مغانم لبنان. تذكروا أن حكوماتنا كانت محكومة دائما. نصفها مع الشرق ونصفها مع الغرب. أكاد أقول، ولا مرة كان لبنان لبنانيا.
ــ إجراء انتخابات نيابية. حصلت، النتيجة فالصو، مجلس النواب ليس منتخبا. الانتخابات لعبة قذرة وكاذبة. انتخب تعنى اختار. من منكم اختار نائبا من خارج طائفته. لذا، لم يتغير شىء إلا باتجاه الأسوأ.
ــ بعدما أقدم الشعب اللبنانى على تأليه الطائفية، جاء مطلب الإصلاح. هذه بضاعة فاسدة. هؤلاء، أصبحوا مقيدين بمقاعدهم ومصالحهم، وحتى الآن، لم نجد إلا القليل جدا جدا، من أمثال الرئيس اليتيم سليم الحص.
ــ سؤال، من بين مئات الأسئلة: لماذا توقف التحقيق بالجريمة العظمى، انفجار مرفأ بيروت؟ القضاء فى لبنان، ليس الموقع المؤهل أبدا لكى يحكم بالنزاهة. هل تعرفون ماضى أكثرية القضاة؟ كم هى ثرواتهم؟ قصورهم؟… هل هناك ما هو أشد من تعطيل القضاء نفسه، لأنه قضاء يقضى على الحقائق. ألا تزكم أنوف اللبنانيين قذارة التأجيل…
• • •
ــ هل استعدنا حقنا بالكهرباء؟ عبث. لن تروا النور. السبب ليس سياسيا أبدا. وليس قانونيا أبدا. إنه تصفية حسابات بين عصابات الكهرباء والنفط والمصارف والسياسة. حدث ذلك منذ طردت حكومة رفيق الحريرى وزير الطاقة جورج افرام الذى قدم خطة علمية دقيقة محبوكة تؤهل لبنان ليصير مُصدّرا للكهرباء. عزلوه. طردوه. استقال.. ثم عينوا بديلا مختصا بالصعق الكهربائى إبان الحرب اللبنانية.
الكهرباء علتها الوحيدة، إنها منهوبة. ومطلوب حلبها راهنا. الورثة معروفون، أصحاب «محطات الموتورات».. كارتل الموتورات شريك مضارب للكهرباء.
ــ يلزم أن نتوقف عن طرح أسئلة مكررة وغبية ورفع شعار التغيير. عبث. من هو مؤهل للتغيير. لا أحد. التغيير ليس نوايا سحرية. بل هو جد وفعل وتأثير… عبث. التغيير بحاجة إلى قبضات مجهزة وقوية وظروف مواتية. أى تغيير صغير قد يحصل، سيجر البلد إلى التفاؤل… رجاء: صوموا عن التغيير. اتعظوا مما حصل فى بلاد الربيع العربى. التغيير أشعل الارتباكات، بلا وازع ولا هدف.
ــ سؤال: هل يتوقع الشعب اللبنانى، أن يتم الاتفاق على علاقات لبنان الدولية والإقليمية؟ من زمان، ولبنان مشَرع للآخرين. ساحة بيروت مرعى وافر لسفراء الدول ذات النفوذ والوطأة والقدم فى لبنان. سيبقى لبنان، كما كان دائما، مشرعا للنداءات من الداخل والإملاءات من الخارج. ويكثر الكلام عن حل ما لا بد منه، فقط بالشفاه. لبنان ملتقى التناقضات الداخلية والإقليمية والدولية. راهنا، لبنان موطئ النزاعات الكبرى. أمريكا، إيران، السعودية، دول الخليج، سوريا، حلف الأطلسى… لبنان الصغير راهنا، هو ساحة واسعة لكل أنواع الصراعات… حذار الدماء.
ــ سؤال معروف جوابه؟ لماذا انهار لبنان؟ أليس لبنان قد انهار بسبب نظام السرقات المدعوم من مرجعيات طائفية سياسية وحزبية وإقليمية. ومع ذلك، فإن الشعب اللبنانى يقتاتون من قهرهم وفقرهم، ويلجأون إلى من نهبهم وشارك فى إفقارهم.
عجب. يبدو أن التبعية سلعة ذهبية. بات مؤكدا، أن أموال الأثرياء والشركاء فى اغتصاب الأموال والعقارات والشركات، تم تهجيرها إلى بلاد مختصة برعاية وحماية الأموال غير الشرعية.
ــ سؤال سهل: هل سيتفق الشعب اللبنانى على سلاح المقاومة؟ مستحيل. وجودان مضادان من زمان. البلاد العربية اختارت إما الصمت، وإما المصافحة، وإما الحيادية. فلسطين لا تزال قضية تقسم العرب، ولكنها توحد الغرب ضدها. نتيجة التدخل الإسرائيلى كانت فى تطهير لبنان من السلاح الفلسطينى، غير أن ذلك فتح بابا للتخلص من الوجود السورى فى ما بعد… إذا، محنتنا الداخلية لها سوابق، باستثناء أن المقاومة راهنا، باتت أقوى من الدولة، وأقوى من دول الجوار، وأقوى من الأقوياء فى مواجهة إسرائيل…
حسنا، ما الحل؟ لا حل أبدا. أصحاب السيادة، يطالبون بجيش واحد، وإلغاء كل سلاح. فلنعترف، هذه قضية كبرى، ولا أكبر منها، ولا حل لها البتة. الحرب الداخلية كارثية، وسواها سيكون حربا إقليمية.
• • •
ــ ما كانت حصيلة مائة سنة من عمر لبنان؟ بإمكاننا أن نعتز بلا ادعاء، أن بيروت كانت عاصمة الكتاب والثقافة والإبداع والفن وحرية القول (نسبيا).
هذا هو لبنان. الفن فضاؤه. الأدب شراعه. الإبداع ناصيته. مسرحيا، حاز لبنان الريادة. تجرأ على المحرم. شعريا، نهضة لا مثيل لها وتأثير وتأثر بالشعر العربى والعالمى. الموسيقى: احتفال لا ينقطع. ــ (راهنا. يا حرام)، للأسف، لم يبق لنا غير هذا، وهناك خوف عليه من «السخف الإعلانى».
وعليه، علينا أن لا نبكى ما فقدناه من زمان. نحن اليوم على حافة موت مقيم معنا. نحن على حافة الوجود. نكاد ننعدم، هذه عينة بعناوين موتنا غدا: الدواء، يا حرام. الاستشفاء، يا ويلنا. التعليم، قفا نبكِ: أموالنا وعرق جبيننا راحوا. النور والكهرباء: قل وداعا. مياهنا: حنفيات مقفلة. طرقاتنا: كم قتيلا يوميا. التلوث: لبنان يحده التلوث شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وسماء وما تحت التراب. ديونه: قيود لنا ولأولادنا وأحفادنا.
اللاشىء، هو جوهر وجود لبنان. حرام أن نسميه دولة، دستور، نظام، مؤسسات… إلخ. إنه عدم وطنى. خيانة إنسانية. سلعة مقطوعة، وقيادات تزداد فحولة ونهبا واتباعا.
أما بعد… لم ندرك بعد النهاية. ليتها تحضر غدا.
لا حياة لنا، إن لم يمت هذا العبء المئوى. لبنان الذى نحبه، لم يولد بعد. سنبقى نحب لبنان الغد. لبنان الناس. لبنان الحياة الطيبة. لبنان المفعم بالآفاق الناصعة: حرية. مواطنة. مساواة. عدالة. بحبوحة. تنمية.
لكن… كل هذا لن يولد، قبل أن يسفك هؤلاء الذين تناوبوا على قتل لبنان، وبيعه بكثير من الفضة، وتشليعه وتوزيعه على نوازع مذهبية.
بلى. يحق لنا أن نحلم. نستحق أحلاما، ولو نحيلة، أن يكون الأمل بمستقبل. لبنان هذا. اللامرئى حتى الآن، يستحق أن يكون. متى؟ كثيرة الأحلام التى تحققت. من يدرى؟ الأحلام أضواء لا تنطفئ. من حقنا أن نلبط بأقدامنا هؤلاء راهنا. هؤلاء جحيمنا. نحن، سنحلم وعيوننا مفتوحة وقبضاتنا رصيدنا.
علينا، لنصل إلى ما بعد، أن نرسم على أوراقنا، خشبة إعدام عادلة. هذه منصَة خلاصنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved