اقسموها على عشرة

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 21 فبراير 2010 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

فكرت كثيرا ومع ذلك لم أجد إجابة مقنعة. ولم أعرف لماذا ظلت محافظة القليوبية وحدها دون غيرها من قطاعات الدولة هى الحريصة على تنفيذ قانون رئيس الوزراء المتعلق بالحد الأقصى للأجور والذى صدر منذ 25 عاما. ولأن قليلا جدا هم من يعرفون أن هناك فى مصر حدا أقصى للأجور حدده قانون لرئيس الوزراء منذ ربع قرن عند 54 ألف جنيه سنويا، دون أن يهتم أحد فى الدولة ممن يحصل على مستحقات تصل إلى مليون جنيه بالرجوع إليه حتى ولو على سبيل تستيف الأوراق. فالكل يخرق هذا القانون دون أن يغضب رئيس وزراء واحد على هيبة المنصب ولا على قوانينه.

والحقيقة أنه لولا السيد سكرتير عام مساعد محافظة القليوبية عبدالحميد أحمد والذى تعدت مستحقاته من المحافظة، عن أعمال قام بها باعتباره مشرفا على صندوق الخدمات، مبلغ 54 ألف جنيه فى السنة. ورفضت المحافظة صرفها له خوفا من خرق قانون رئيس الوزراء. مما جعله يرفع دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا لإبطال القانون من أجل الحصول على مستحقاته. لولا ذلك، ولولا أن المحكمة الدستورية العليا حكمت له بالفعل بعدم دستورية القانون، وبالتالى أبطلته مؤخرا استنادا إلى أن مجلس الشعب ليس من حقه التنازل عن دوره التشريعى للسلطة التنفيذية مهما كانت المبررات.

لولا هذا وذلك لما عرفنا أن هناك حدا أقصى للأجور يخرقه الجميع دون حياء، ودون حتى أن يتحدثوا عن إمكانية تعديل هذا الحد الأقصى، أو رفعه بما يتناسب مع المستجدات، ولكن الجميع رأوا أن تجاهله افضل حتى لايتم الالتزام به.

وما دمنا اكتشفنا أنه كان لدينا حد أقصى للأجور بقانون كان يحمل رقم 105 لعام 1985، وأنه تم القضاء عليه من أجل أن يحصل السيد سكرتير عام مساعد المحافظة على مستحقاته الشخصية. فإن الفرصة قد جاءت لهؤلاء الأعضاء من مجلس الشعب الذين تصدوا خلال الأيام الماضية لفوضى الأجور فى مصر.

ولكن الحقيقة أنه لم يعد يكفى أن ينتظر أعضاء مجلس الشعب ان تصل لهم وشاية من أحد المستفزين أو الناقمين على الرواتب الخيالية لبعض كبار المسئولين مثل راتب رئيس مصلحة الضرائب السابق، أو رئيس الشركة القابضة للسياحة والسينما. والتى تقدم بشأنهما عدد من طلبات الإحاطة حول الأسباب التى تجعل كل منهما يحصل على مليون جنيه. وربما تكون الاستقالة السريعة لرئيس مصلحة الضرائب،والتى لم يجف الحبر الذى كتبت به بعد، هى ردا سريعا على طلب الإحاطة أو محاولة لإغلاق ملفه فى مجلس الشعب.

المهم فى هذا الأمر ألا يسمح أعضاء مجلس الشعب بأن يغلق ملف الأجور بمجرد أن يأتى المسئول الحكومى هذا أو ذاك بأدلة وأوراق تثبت أنه لايحصل على مليون جنيه. كل الحكاية ربع أو نصف على الأكثر. أو أن يبدأ المسئول بعد الآخر فى التحدث عن أن هذه الملايين لاتساوى شيئا أمام ما تقدمه هذه الكفاءات النادرة، والتى لولا الملايين ما أتت إلى الحكومة، ولبقيت لدى القطاع الخاص يستأثر بها ونحرم منها نحن.

ياليت هذه المأثورات التى اعتدنا عليها من المسئولين لاتحول دون أن يكمل أعضاء مجلس الشعب ما بدأوه من جعل ملف الأجور مفتوحا. بل ويصرون على أن يتم وضع حد أدنى عادل للأجور فى مصر. بشرط إبعاد الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية والذى ما زال قلبه يطاوعه على أن ينطق بأن الحد الأدنى للأجور يمكن أن يتحدد عند 300 جنيه، فى حين انه يرى بعينه أن هناك البعض يتقاضى رواتب بالملايين. وهو مايعنى أن الفارق بين الحد الأدنى والأقصى يتعدى 3000%.

وإذا كان بعض أعضاء مجلس الشعب يعارض وضع حد أقصى للأجر اعتقادا إلى أن هذا من قبيل النظم الاشتراكية فإن عليه أن يراجع بعض ما تتخذه الدول الأوروبية التى تنتمى إلى أعتى النظم الرأسمالية من جعل الحد الأقصى للأجر لا يزيد على عشرة أضعاف الحد الأدنى. وهو ما أكد عليه الدكتور مصطفى السعيد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب مشيرا إلى ما يحدث فى بريطانيا.

وحتى لا نثقل كثيرا على مسامع السادة المسئولين من الأحاديث التى تتعلق بالعدالة فى تحديد الحد الأدنى للأجور. فلنترك لهم أن يبدأو بالعكس. فليحددوا أولا الحد الأقصى المناسب لهم، ثم على أساسه نقبل نحن ما يحددونه لنا عند الحد الأدنى.

أيها السادة المسئولون فلتختاروا الحد الأقصى كما تشاءون بعد النظر إلى رواتبكم أنتم وأولادكم وأولاد أولادكم، وأقاربكم من الدرجة الأولى وحتى الخامسة على الأقل، مرورا بأولاد عمومتكم، وخالاتكم، وأصدقاء أولادكم وإن أردتم جيرانكم. ولكن بعد أن تختاروا اقسموها على عشرة، فيكون هذا هو الحد الأدنى للأجر. فإذا أردتم أن يكون الحد الأقصى للأجر 10ملايين جنيه فى السنة، فليكن الحد الأدنى للأجر مليون فقط. وعندها تكون القسمة عادلة. فهل تقبلون؟  

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved