شرق أوسط جديد.. غموض جديد

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الخميس 21 فبراير 2019 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

كشف مؤتمر وارسو الذى شارك فيه ممثلو دول عربية إلى جانب رئيس حكومة إسرائيل عن مفارقة تاريخية: صحيح أن اليسار الإسرائيلى هو الذى أوجد فكرة الشرق الأوسط الجديد، لكن هذه الرؤية تتحقق عمليا بقيادة اليمين. شمعون بيرس، الذى اخترع المصطلح، أراد أن يعبر من خلاله عن توقه إلى سلام رسمى بين إسرائيل ودول المنطقة، وتطلُعه إلى إنهاء النزاع العربي ــ الإسرائيلى، بالإضافة إلى إحراز تقدم فى موضوع المفاوضات مع الفلسطينيين. المصالحة مع الحركة الوطنية الفلسطينية اعتُبرت المفتاح الضرورى لتحقيق السلام مع الدول العربية المحيطة.
انهيار اتفاق أوسلو حول رؤية الشرق الأوسط الجديد إلى مرادف للانقطاع عن الواقع. لكن يبدو فى العقد الأخير، وتحديدا فى ظل حكومة اليمين، أن عملية تاريخية تجرى وتتجلى من خلال تعمق الوجود الاستراتيجى والأمنى والاقتصادى لإسرائيل فى الشرق الأوسط، وتطور علاقات متشابكة مع الدول السنية. وبينما استندت رؤيا بيرس إلى نظرة مثالية ــ رومانسية، فإن تحقيقها اليوم من طرف اليمين يجرى انطلاقا من نظرة واقعية عملية.
توجد عدة عوامل وراء هذا التغير المذهل: أولا، تعزز التعاون بين النخب السياسية القديمة فى الشرق الأوسط لمواجهة موجة الربيع التى عمت المنطقة فى سنة 2011؛ ثانيا، قوة إسرائيل فى المجالات الاقتصادية والأمنية، التى اعتُبرت نوعا من فرصة فى نظر حكام الدول العربية المعتدلة، بالإضافة إلى إيران التى تحولت إلى مركز أساسى للتهديدات الجديدة فى المنطقة، وجمعت بين مصالح إسرائيل ومصالح دول الخليج؛ أخيرا توقُف المفاوضات مع الفلسطينيين سمح للدول العربية بقطع العلاقة بين تسوية إسرائيلية ــ فلسطينية وبين تعاون عميق مع إسرائيل.
أدت هذه التوجهات إلى نشوء عملية تستند إلى رؤية واقعية للمصالح المشتركة لإسرائيل والعالم العربى. لكن الفارق بين رؤية بيرس للشرق الأوسط الجديد وبين تحققها الحالى لا يكمن فقط فى التناقض بين الرومانسية والبراجماتية، بل يكمن أيضا فى فصل شرط حل لـ«المسألة الفلسطينية» عن قيام تطبيع معين بين إسرائيل ودول المنطقة، واستعداد كل الأطراف المعنية لتعاون عميق ــ يجرى جزء منه بعيدا عن الأنظار. هنا نشأ مجال جديد من الغموض يسمح لدول الخليج بالتعاون مع إسرائيل للدفع قدما بمصالحها واستراتيجياتها، من دون التخلى ظاهريا عن التزامها بالقضية الفلسطينية.
ما يجرى هنا هو ثورة تاريخية حقيقية فى علاقة إسرائيل المعقدة بالدول العربية. منذ تأسيس الحركة الوطنية اليهودية امتازت هذه العلاقات بالتوتر بين تطلُع الصهيونية إلى عودة الشعب اليهودى إلى قلب الشرق الأوسط، وبين التوتر مع شعوب المنطقة الذى ازداد مع تصاعد النزاع الوطنى.
التطورات الحالية يمكن أن تبشر بتآكل الكليشيهات التى تصف إسرائيل «فيلا فى غابة»، التى كانت تهدف إلى تجسيد عزلتها فى محيط معادٍ. يمكن أن نشعر بنتائج هذه التطورات اليوم، مثلا فى دور الوساطة الذى تقوم به قطر مع سلطة «حماس» فى غزة، وفى مظاهر التعاون التى برزت فى المؤتمر الذى عُقد فى عاصمة بولندا.
حتى الآن يجرى هذا التغير بصورة نسبية تحت غطاء من الغموض، لكن إزالة الغموض بصورة كاملة يمكن أن يعرقل استمراره ويضر بالتحقق السريع لرؤية الشرق الأوسط الجديد فى شكلها الحالى الواقعى. لا يزال الشرق الأوسط الجديد بقيادة اليمين بحاجة إلى سياسة الغموض.

باحث ومحاضر فى الصراع العربى ــ الإسرائيلى فى كلية أحفا الأكاديمية
يسرائيل هَيوم
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved