ترشيد «القبح»!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 21 فبراير 2020 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

رفض البعض خلال الفترة الأخيرة، قرار الفنان هانى شاكر، نقيب المهن الموسيقية بمنع مطربى المهرجانات من ممارسة هذا النوع من الغناء، وبرروا موقفهم بأن المنع ليس هو الحل، وأن الناس هم أصحاب الحق الأصيل فى القبول أو الرفض لما يقدم لهم، وهو موقف نحسبه انتصارا لـ«القبح» الذى بات يملأ حياتنا.

شاكر قال فى بيان أصدره أخيرا إن «شروط عضوية أو تصاريح النقابة بالغناء ليست قوامها صلاحية الصوت فقط، ولكن أيضا هناك شروطا عامة يتوجب أن تتوافر فى طالب العضوية أو التصريح، وهى الالتزام بالقيم العليا للمجتمع والعرف الأخلاقى واختيار الكلمات التى لا تحض على رذيلة أو عادات سيئة».

هذه الفقرة فى تصريحات نقيب المهن الموسيقية، كانت محورا أساسيا فى حملات الهجوم على قراره الأخير، إذ رأى البعض أنه ليس من حقه تحديد القيم العليا للمجتمع، وأن المجتمع هو من يحدد نسقه القيمى وفق ظروف حياته ومستواه التعليمى والثقافى والاجتماعى، وأنه حان الوقت لكى يتخلى بعض من بيدهم القرار فى أى جهة، عن هذه النظرة الأبوية الفوقية فى التعامل مع قطاع عريض من الشعب، لديه القدرة على اختيار النمط الذى يريده لحياته وثقافته وفنونه.

أولا: لم يدع الفنان هانى شاكر أنه حارس الفضيلة فى هذا البلد، أو أنه أصبح مسئولا عن تحديد القيم العليا فى المجتمع، أو قيما على تطبيق العرف الأخلاقى فى بر مصر، لكن الرجل انطلاقا من طبيعة منصبه ومهامه الوظيفية، حاول مواجهة هذا النوع من الغناء الذى بات يهدد بشدة الفن المصرى والذوق العام فى البلاد، ويعطى صورة سيئة عن المجتمع، نظرا لما يتضمنه من محتوى خطر يرسخ لعادات وقيم سيئة، تساهم فى انهيار أى مجتمع من الداخل، وهو ما يسهل لأعدائه الانقضاض عليه فى أى وقت، بعدما يكون قد فقد مناعته وقدرته على المقاومة.

هذا النوع من الغناء، لا يختلف كثيرا عن المخدرات فى تأثيرها المدمر على المجتمعات والشعوب.. فهل من يعارضون قرار منع مطربى المهرجانات، لديهم القدرة على تبنى حملة للسماح بتداول المخدرات وعدم تجريمها، باعتبار أن كليهما حرية شخصية للناس وفق ما يراه البعض؟ طيب.. هل يستطيع من يرفض قرار المنع أن يستمع مع أسرته لإحدى هذه الأغانى التى تقول بعض كلماتها: «اصحى ياللى أمك صحبتى.. وخالتك كانت فردتى.. وأختك بترقص على مطوتى أحسن من أيها سرسجى»؟..بالتأكيد لا يستطيعون.. أتدرون لماذا؟ لأن هذه الكلمات فعل فاضح بكل ما تحمله الكلمة من معان، ولا يستطيع أن يسمح لأسرته بسماعها، وبالتالى فإن الحديث عن أن المجتمع لديه الحرية فى اختيار ما يشاء ليس صحيحا، لأن الحرية ليست مطلقة، ولكن لها حدود ينبغى ألا تتعداها حتى لا تتحول إلى فوضى مدمرة.

السؤال الآن.. هل قرار منع مطربى المهرجانات سيقضى على هذه الظاهرة؟ بالتأكيد لا، لكنه خطوة فى الاتجاه الصحيح نحو ترشيد القبح الذى ينتشر فى المجتمع، ورفع منسوب الجمال الذى انخفض بشكل ملحوظ فى جميع المجالات، وحماية الذوق العام من التدمير الممنهج، واستعادة قوة مصر الناعمة فى الفنون والآداب والثقافة، ودفع مطربى هذا التيار نحو التدقيق فى اختيار كلمات ومضمون ما يقدمونه للناس.

حماية الذوق العام ليست مسئولية هانى شاكر ونقابته فقط، لكنها تقع على عاتق جميع مؤسسات الدولة السياسية والإعلامية والثقافية والدينية، التى ينبغى عليها أن تؤدى واجبها تجاه الحفاظ على القيم العليا للمجتمع والارتقاء بها، وعدم ترك المواطنين فريسة لمن يغيب عقولهم سواء بأغنية أو مخدرات أو بخطابات دينية متشددة.

كذلك يجب ألا تكون الحكومة بوابة لهذا النوع من الفنون بأى شكل كان، وأن تتعلم من تجارب السنوات الماضية، عندما فتحت المجال لبعض الوجوه لتطل على المشاهدين والمستمعين بمحتوى ساعد على نشر البلطجة والسوقية والإسفاف، وليس هذا فقط، بل إنها كانت تجلسهم فى الصفوف الأمامية فى بعض المناسبات الكبيرة، كرسالة لا تخطئها عين على دعمها ومساندتها لشخوصهم وما يقدمونه من محتوى بالغ السوء.

الطريق ما زالت طويلة، لكن ما حدث تجاه مطربى المهرجانات مجرد بداية نحو تصويب المسار الخاطئ، وصناعة النموذج الحقيقى الذى يمكن أن يكون قدوة للأجيال الصاعدة فى جميع المجالات، وهذا الأمر يتطلب من الدولة ان ترعى مشروعا ثقافيا حقيقيا يقدم الفنون الراقية للمجتمع، ويرفع من مستوى الذوق العام فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved