من يوميات تنظيم القاعدة

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 21 فبراير 2020 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

كان المستشفى هادئا إلا من حركة الأطباء والممرضات الدائبة لعلاج المرضى، فهذه ثلة من الأطباء تجرى جراحة خطيرة لمريض، وهذه الممرضة تهرول بمريض لإنقاذه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.

وثلة أخرى مع مريض العناية المركزة لإعادة القلب للعمل بعد توقفه أو إزاحة جلطة من الشريان التاجى أو إذابتها.

أطباء من اليمن وخارجها مع فرق تمريضية عالية المستوى بعضهم جاء من مصر أو الفلبين أو غيرها للعمل فى أحد أهم مستشفيات اليمن علميا وتقنيا، وفجأة يحدث انفجار كبير يهز أرجاء المستشفى هزا ويحول هدوءه إلى جحيم.

أصاب الذهول والفزع الجميع، بعضهم تصور حدوث زلزال، وبعضهم ظن القيامة قد قامت، جرى الجميع بلا هدف نحو المجهول، لا يدرى أين يتوجه ولا ماذا يفعل.

جرى الأطباء والطبيبات والممرضات فضلا عن عشرات المرضى الذين ينتظرون دورهم للفحص أو الذين يستطيعون الحركة، ولكنهم فوجئوا بطلقات الرصاص تنهمر عليهم من كل مكان لا تفرق بين ذكر أو أنثى أو مدنى أو عسكرى.

دخل مقاتلو تنظيم القاعدة إلى ردهات المستشفى يرتدون الزى العسكرى، ظن المرضى والطبيبات والممرضات أنهم من جنود الجيش اليمنى فإذا بهم يضربونهم بالذخيرة الحية، أو يلقون القنابل اليدوية على جمع من المرضى، سقطت الممرضات والطبيبات على الأرض مضرجات بدمائهن.

لم يكتف مقاتلو القاعدة بذلك بل أجهزوا عليهن رغم أنهن نسوة وملقيات على الأرض من الإصابة.

كان الموقف كله وكأنه فيلم دموى وليس حقيقة أو واقعا، كاميرات مستشفى وزارة الدفاع اليمنية صورت ذلك كله، تم بثه فى اليمن كله، ذهل اليمنيون والعالم من بشاعة الاقتحام، فهؤلاء الأطباء جاءوا يزرعون الحياة والأمل والشفاء، وإذا برجال القاعدة يقتلون الأمل والحياة منهم.

القتلى والجرحى لا ناقة لهم ولا جمل فى صراعات السياسة، فهم لا يعرفونها وليسوا طرفا فيها وليسوا من أهلها، وهل المريض والطبيب بل والممرضة يقتلون هكذا بدم بارد.

أنكرت القاعدة فى البداية صلتها بالحادث بعد بث الفيديوهات، ولكن الأدلة كانت دامغة والجرم أكبر من إنكاره، خرج قاسم الريمى ــ أحد كبار قادة التنظيم ــ فى اليمن ليتبرأ من هذه الفعلة الشنعاء.

مرت سنوات على هذه الحادثة دون أن تذكر القاعدة ماذا كانت تهدف من تفجير واقتحام المستشفى، ولا الحكومة اليمنية نفسها أعلنت ذلك، لتضاف هذه الجريمة إلى سلسلة جرائم القاعدة وتنظيمات التكفير والتفجير التى لا توفق فى شىء حتى استطلاع أو اختيار أهدافها، لتقتل المدنيين بلا قلب، بل وقفز منهم إلى قتل الطبيبات والممرضات والمريضات، وتجهز عليهن بعد إصابتهن.

فى يوم 9 نوفمبر سنة 2005 هزت العاصمة الأردنية عمان ثلاثة تفجيرات متعاقبة هزت العاصمة الأردنية حتى سمى اليوم «الأربعاء الأسود».

استهدفت التفجيرات ثلاثة فنادق من أكبر فنادق العاصمة بدأت بفندق الراديسون ساس أعقبها بدقائق انفجار بفندق حياة عمان وبعدها فندق دايزان.

حصيلة هذه التفجيرات بلغت قرابة 57 قتيلا، وما يزيد على 115 جريحا.

كانت هناك حفلة زفاف لعائلة أردنية فى فندق الراديسون وقت الانفجار، العروس تتبادل الابتسام مع عريسها، يرقبون بأمل حياتهم المقبلة، أسرة العريسين فى حالة فرح غامرة وسعادة كبيرة، الفرحة تغمر القلوب والبسمة تعلو الوجوه، وأغانى الأفراح بموسيقاها المميزة تخالط الطعام والشراب المقدم للضيوف، فجأة يتحول الضيوف بملابسهم الفخمة الزاهية إلى جثث أو جرحى يئنون من هول الجراحات والصدمة.

ثلاثمائة من ضيوف العرس أكثرهم قتل أو جرح، تحول الفرح إلى مأتم والزغاريد إلى نواح، وثياب العروس البيضاء تلطخت بالدماء المحرمة.

لم يسأل أبو مصعب الزرقاوى نفسه: ما ذنب هؤلاء حتى يقتلهم ويفخر بقتلهم ويعلن فى تباهٍ كاذب فاجر «مسئولية تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين عن التفجيرات».

وقت التفجيرات كان المخرج العالمى العبقرى وأعظم مخرج عربى إسلامى «مصطفى العقاد» ينتظر ابنته فى مدخل فندق حياة عمان، فإذا بالتفجير الأعمى يقتله وابنته، ويحرم الأمة كلها من أفلام عظيمة كان ينوى إخراجها، لم يغفر له عند القاعدة أنه أخرج أعظم الأفلام التى خدمت الإسلام والإنسانية وأنه أعظم من عرف بالرسول عليه السلام وصحابته الكرام فى فيلم «الرسالة» وأفضل من قص علينا قصة «أسد الصحراء عمر المختار».

مات مصطفى العقاد وماتت كل الروائع التى كان ينوى إخراجها مثل «صلاح الدين الأيوبى» الذى كان قد أتم تجهيزه وشرع فى البدء فيه.

القاعدة قتلت العقاد دون أن يحرك ذلك شعرة فى رأسها، أو يشعرها بالخجل أو الندم، واستمر الزرقاوى فى طريقه حتى قتل.

كان فى الفندق أهم رجل أعمال فلسطينى من عرب 48 وهو حسام فتحى أبو جارور ولحق بالقتلى دون ذنب جناه سوى أنه أراد أن يصنع للفلسطينيين اقتصادا واعدا.

لقد نقل الزرقاوى القاعدة من مربع التكفير إلى سوبر تكفير ومن مربع التفجير إلى القتل على المذهب والهوية وتفجير الأسواق والمساجد، ومثل البداية الحقيقية للانتقال لما هو أسوأ إلى داعش التى فاقت الجميع تكفيرا وتفجيرا وقتلا وذبحا لتغيب الإنسانية برمتها فضلا عن الدين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved