«اللاتفاوض واللاحل» فى السد الإثيوبى

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 21 فبراير 2022 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

 

محطة
تمارس أديس أبابا لعبة المراوغة، واستهلاك الوقت، لتثبيت الأمر الواقع فى ملف سد النهضة، حتى وصلنا إلى حالة «اللاتفاوض واللاحل»، على الرغم من جهود الوساطة المتعددة التى قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية تارة والاتحاد الإفريقى تارة أخرى، لحلحلة الوضع، قبل أن تتعثر الاجتماعات التى دعت إليها جنوب إفريقيا فى يناير 2021 لاستئناف المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان.
لكن إثيوبيا، التى أعلنت قبل يومين بدء إنتاج الكهرباء لأول مرة من سد النهضة، تخطئ كثيرا إذا اعتقدت أن الوضع الراهن سيستمر إلى ما لا نهاية، وأن دولتى مصب نهر النيل (مصر والسودان) يمكنهما تجاوز الخطوات الأحادية الجانب فى عملية ملء وتشغيل السد من دون التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم يحفظ لكل الأطراف حقوقها، ولا يسمح بالضرر خاصة لمصر التى تأتى 85% من حصتها المائية من النيل الأزرق الذى يزعم المسئولون الإثيوبيون أنه «بات بحيرة إثيوبية»!
خطوة بدء تشغيل التوربين الأول لإنتاج الكهرباء من سد النهضة، التى قالت مصر فى بيان لوزارة الخارجية إنها «تُعد إمعانا من الجانب الإثيوبى فى خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015، الموقع من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبى»، تعتقد أديس أبابا أنها ستمر بسهولة، كما مرت مرحلتا الملء الأولى والثانية لخزان السد، وبما يمهد للملء الثالث المتوقع فى شهر يوليو المقبل.
مصر التى أكدت فى أكثر من محطة أنها ليست «ضد بناء سد النهضة» بل وعرضت التعاون على أديس أبابا فى عملية البناء والتشغيل، لا يمكنها الصمت الأبدى، ولا يجب أن تسمح بالإضرار بحقوقها فى مياه النيل تحت أى ظرف من الظروف، وتعلم أديس أبابا، ومن يساعدها من أطراف إقليمية (بعضها عربى للأسف)، أن مياه النيل قضية وجودية لكل المصريين، وصبرهم له حدود.
التعنت الإثيوبى، واستمرار تجاهل شواغل مصر بشأن التداعيات التى يمكن أن تنتج عن فرض الأمر الواقع فى ملف سد النهضة، يحتم علينا كمصريين التحرك من جديد على جميع الاتجاهات، لوضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته، حتى لا تصل الأمور إلى حافة الهاوية، فإذا بالعالم يتورط فى أزمة حادة توسع من دائرة عدم الاستقرار فى منطقة تتجاوز حدود القرن الإفريقى.
مصر مدعوة إلى الضغط على الاتحاد الإفريقى للقيام بدور أكثر حزما، لإجبار إثيوبيا على استئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة، كما أن الدبلوماسة المصرية مطالبة بالمزيد من الجهد على صعيد العلاقات مع المنظمات الإقليمية والدولية والبلدان المؤثرة، لإحياء مسار التفاوض المتجمد، وألا نقف عند حدود إعلان الرفض والتحفظ على الخطوات الإثيوبية الإحادية فى عمليات الملء والتشغيل.
مصر أمامها فرصة لتجديد طرح وجهة نظرها خلال المشاورات الجارية استعدادا لعقد مؤتمر المناخ المقبل فى شرم الشيخ، باعتبار أن ما تقوم به إثيوبيا سيكون له تأثيرات سلبية عدة على البيئة، وهو ما يحتاج إلى تعاون لتجنب هذه التأثيرات، والتقليل من أضرارها التى ستصب فى النهاية داخل وعاء قضية التغيرات المناخية التى يكافح العالم للحد منها.
ربما يكون العالم مشغولا الآن بالأزمة الروسية الأوكرانية، وسط التهديد المتبادل بين موسكو من جانب وواشنطن وحلف الناتو من جانب آخر، غير أن السماح لإثيوبيا بالإفلات بأفعالها الأحادية لا يجب أن يكون واردا، كما أن اللغة الأكثر خشونة استدعاؤها بات مطلوبا وبقوة الآن، فالخطاب الدبلوماسى المتحفظ، لم يعد يجدى نفعا على ما يبدو، وحتى نخرج من حالة «اللاتفاوض واللاحل» فى ملف سد النهضة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved