(...نوما هادئا)

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 21 مارس 2010 - 10:11 ص بتوقيت القاهرة

هو جرى إيه فى البلد دى؟. كيف يسمع ويرى الوزراء، وكبار المسئولين، والقيادات العمالية، وأعضاء مجلس الشعب المهازل التى تحدث فى ذلك الشارع التعيس (قصر العينى سابقا) من نوم لعمال مصريين مع أطفالهم على الرصيف دون أن يغلى الدم فى عروقهم. ويقرر واحد منهم على الأقل أن يخرج عن البرود الرسمى. ويعلن عن موقف حازم ولو مرة وحيدة، يعيد فيها هيبة الحكومة أمام أطفال هؤلاء العمال. ليعرفوا أن هذا البلد يستطيع أن يحميهم من بطش رجال الأعمال المصريين منهم والأجانب.

طيب.. علمتم الأطفال فى المدارس أن ما أخذ بالقوة فى الحرب لن يسترد إلا بتنكيس الرأس، وعقد الصفقات التجارية مع إسرائيل، والتعاون معها. وهو ما يجعل هذا العدو يتكسف منا، ويعمل لنا ألف حساب. قلنا خلاص دى مناهج دراسية لزوم الشهادة وخلاص. وبكره الأطفال يكبروا ويعرفوا أن أكل العيش مع إسرائيل هو الذى شجعها على الإقدام على المساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية للعرب. بل وقتل جنودنا على الحدود أمام أعينا بدم بارد، وبرد فعل أبرد منه.

وربما تسعفنا القريحة أمام أطفالنا لنجد ما نقوله لهم عندما يسألوننا لماذا تخشى حكوماتنا من إسرائيل إلى هذا الحد؟. ولكن ماذا عسانا أن نقول عندما يسألنا أطفالنا ماالذى يشل يد الحكومة بوزرائها، والبرلمان برجاله، واتحاد العمال بقياداته عن أخذ حق العمال من أصحاب العمل؟.

وحق العمال ليس فقط فى إعادتهم للعمل، وتشغيل مصانعهم الموقوفة بفعل فاعل مغتصب. وليس الحق هو إلقاء بضعة آلاف من الجنيهات لقاء معاش مبكر، يجعل منهم رجالا مكسورى الجناح فى عز شبابهم. ولكن حقهم يعود إليهم عندما يحاسب كل من اسهم فى هذه المهازل. كل من جعل عمال مصر يجبرون على اختيار آمر الحلول. حقهم يعود إليهم عندما يعاقب كل من جعلهم يقبلون أن تتوقف شركاتهم، ولايعودون ليسمعوا صوت المكن ثانية فى العنابر، ولا يشمون بعد الآن رائحة الدخان فى المصانع.

ماذا سنقول لأطفالنا؟ أنقول لهم إن الخوف من المساس بمناخ الاستثمار الذى يمكن أن يتلوث، هو مايشل يد الحكومة عن محاسبة رجال الأعمال عن تعطيل المصانع، ووقف إنتاجها، وبيع أراضيها، وسرقة البنوك وطرد العمال وتشريدهم؟ أم خشية المسئولين من ألا يأتى أجانب آخرون ليستولوا على شركات ومصانع وأراضٍ جديدة هو ما جعلها ترتعش أمامهم؟.

أم نقول لأطفالنا إن الحكومة تخشى إن فكرت فى محاسبة أصحاب المصانع فسوف تفتح على نفسها نار جهنم، لأن الهم كما يطول رجال الأعمال فهو بنفس القدر بل ويزيد كثيرا يطولها. فإن فكرت الحكومة يوما أن تحاسب رجل الأعمال عادل أغا السورى عن مسئوليته فى تشريد 1600 عامل فى شركة أمنسيتو، فسيكون عليها أن تسأل نفسها وكيف استطاع أن يستولى على 1.5 مليار جنيه من البنوك المصرية؟. وسيكون عليها أن ترد على سؤالا أساسيا وهو لماذا لم تفتح الحكومة تحقيقا موسعا يعرف فيه الرأى العام من الذى ساعد هذا الرجل على الهرب من البلاد دون أى عقاب؟ لا للرجل ولا لمن ساعده.

وبنفس القدر إذا مافكرت الحكومة فى محاسبة رجل الأعمال السعودى عبدالله الكعكى الذى اشترى شركة طنطا للكتان فسيكون عليها أن تحول رءوسا كبيرة للتحقيق فى الكيفية التى تم بها تسليم أقدار زراعة الكتان فى مصر ليد أجنبية، دون مراقبة أو محاسبة. لأن الشركة هى الوحيدة التى تحتكر هذه الصناعة فى مصر. وسيكون على الحكومة أن تقدم كبش فداء، وليكن الوزير الذى وقع على عقد بيع الشركة بخاماتها بنحو 80 مليون جنيه فى حين ان آخر تقييم لها كان 126 مليون جنيه، وإن تهرب الوزير ليكن رئيس الشركة القابضة.

المهم أن يحاسب واحد فى هذا البلد ولانترك العمال هم من يدفع الثمن وحدهم عن مهازل لم يصنعوها. بينما أصحابها مازالوا ينعمون بنوم هادئ على وسائد مريحة.

هذا عن المهازل الحالية أمام مجلس الشعب. ولكن ما هو فى الطريق من الشركات التى ستتم تصفيتها، أو التى تحضر أوراقها للتصفية، أو للتأجير، أولبيع أراضيها مثل النصر للسيارات، ومصر للألبان، وغزل شبين، والنيل لحليج الأقطان، وراكتا فسوف يصعب مهمتنا أمام أطفالنا وإلحاح أسئلتهم.

بالتأكيد لن نجد مانقوله لصغارنا سوى اننا نأسف لأننا جئنا بهم إلى هذا الزمن. زمن تغلق فيه المصانع، وتنسف فيه قيمة العمل، ويصبح فى أيامه المعاش المبكر آملا يحلم به العمال. زمن يبطش فيه أصحاب النفوذ والفلوس بالضعفاء، دون حتى أن يؤرقهم خيال عصا فى منامهم.

فنوما هادئا لكم وتصبحون على خير، ولاتخشون شيئا. فالحكومة فى سبات عميق.  

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved