فتنة البنطلون المقطع

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 21 مارس 2017 - 11:30 م بتوقيت القاهرة

جيد أن يبتعد الدكتور جابر جاد نصار، رئيس جامعة القاهرة، عن الدعوة التى تطالبه بحظر ارتداء البنطلون الجينز المقطع، وهى موضة اليوم، داخل الجامعة.
لأن الحديث فيها عبث. أحد أعضاء البرلمان أدلى بتصريحات ذكر فيها أهمية وجود «زى» لطلاب وطالبات الجامعة، مستشهدا فى ذلك بالكليات العسكرية ومدارس الراهبات، وخلافه، وهو ما يعصم الجامعة ــ فى رأيه ــ من مشاهد طلاب وطالبات يرتدون ملابس غير لائقة.
وانضم عدد من أعضاء مجلس النواب لهذه الدعوة. وهناك من ينكأ رئيس جامعة القاهرة باعتبار أنه صاحب قرار منع أعضاء هيئة التدريس والطبيبات والممرضات بمستشفياتها الجامعية من ارتداء النقاب، وبالتالى فعليه ــ من باب التعادل ــ أن يصدر قرارا بمنع دخول من يرتدى البنطلون الجينز المقطع من الطلاب والطالبات.

اللافت للانتباه أن هناك مَن استفز مِن ارتداء بعض الطلاب والطالبات لبنطلون جينز مقطوع، وأظنهم عدد محدود، ولم يستفز من القضية الأهم هو تراجع مستوى التعليم، أو أن خريج الجامعات المصرية لم تعد لديه القدرة على المنافسة لا محليا ولا إقليميا ولا دوليا، وهو المعيار الحقيقى للمنتج التعليمى. هناك من يريد أن يمنع ارتداء هذا البنطلون فى الجامعة اليوم، ومادام هذا البنطلون يباع ويرتدى فى الشارع فسوف تظهر دعوة غدا لإنشاء جماعات تدافع عن الأخلاق تنبه الناس فى الشارع إلى الملابس غير اللائقة التى يرتدونها، وتنتشر الدعوات السخيفة على غرار «اربط المعزة»، أو اعتبار أن الملابس هى معيار التحرش. أى أن المتحرش له حرية التعرض لأى فتاة أو سيدة لا ترتدى ملابس لائقة من وجهة نظره.
ثم بعد ذلك، كما كان السلفيون يروجون «مصيف بلا معاصى»، ونحن مقبلون على فصل الصيف سوف نجد من يطالب بملابس بحر معينة، وحظر ملابس أخرى لأنها ليست لائقة، وهكذا نجد أنفسنا فى دائرة تنميط الملابس، الذى يشكل فى الأساس رغبة دفينة فى تنميط العقل، ولم يخف المطالبون بحظر البنطلون الجينز المقطوع أفكارهم، وهى الزى الموحد، أى إلغاء التنوع بدعوى الحفاظ على الاخلاق، واعتبار الناس أرقاما تكرارية فى كشف أكثر منهم كيانات ترتدى ما تشاء، وهى حرية شخصية، حتى وإن كان فى ذلك ما يغضب البعض، فإن المجتمع يصحح نفسه بنفسه، وهى سمة المجتمعات التى تتمتع بأجواء الحرية، وما نراه موضة اليوم سوف يختفى غدا.

الجامعة فى الدول المتقدمة ليست لها أسوار تفصلها عن المجتمع، وليست لها بوابات حديدية، منفتحة على الواقع المحيط بها، مادامت تمتلك العلم الذى يساهم فى تطويره. بالطبع لكل مجتمع ظروفه، والتحديات التى يواجهها، ولكن على الأقل علينا أن نترك الأشياء العارضة، ونهتم بجوهر الأمور. فعندما تأتى سيرة الجامعة ينبغى أن تكون أول فكرة تقفز إلى الذهن هى العلم، البحث، تطوير الإمكانات الأكاديمية، الحرية الفكرية، وليس الشكوى مما يرتديه نفر من الطلاب والطالبات، هم بكل المقاييس أقلية عددية، ننشغل به، ويصعد الحديث إلى أروقة المؤسسة التشريعية، ونظن أنها مشكلة جوهرية، وهى فى كل الأحوال ليست مشكلة الجامعة، بل هى مشكلة مؤسسات أخرى فى مقدمتها الأسرة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved