حرب أمريكية عقيمة على «أوبك»

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الخميس 21 مارس 2019 - 11:40 م بتوقيت القاهرة


نشرت جريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتبة «رندة تقى الدين» وجاء فيه:
عاد الكونجرس الأمريكى إلى محاولة إدخال قانون يهدف إلى مقاضاة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتبنى قانون بعنوان: نوبك Nopec لمنع الدول المنتجة للنفط من التنسيق حول الإنتاج والتأثير فى أسعار النفط. والمعروف أنه سبق للكونجرس منذ عام ٢٠٠٠ أن حاول مقاضاة «أوبك» بإقرار مثل هذا القانون، إلا أن البيت الأبيض كان باستمرار يتصدى لذلك بـ «الفيتو». أما اليوم والرئيس دونالد ترامب ينتقد باستمرار سياسات أوبك، إذ غرد مرات عدة السنة الماضية متهجما على المنظمة، قائلا إنها «ترفع أسعار النفط»، وقال لرؤساء العالم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى «أن دول أوبك تنهبهم».
السؤال اليوم: ماذا إذا تم تبنى القانون؟ وماذا سيكون مفعوله على دول أوبك؟ اللافت أن اللجنة القضائية فى الكونجرس التى أدخلت هذا القانون هذه المرة مكونة من نواب من الحزبين الجمهورى والديمقراطى، ولكن بدأت «أوبك» تقوم بجهود عبر علاقات عامة مع الجمهور الأمريكى الذى ينظر إلى منظمة الدول المصدرة للنفط كمنظمة تسبب له ارتفاع أسعار البنزين. وهناك فى أمريكا من يعتقدون أن «أوبك» وراء مآسيهم الاقتصادية.
اعترف الأمين العام لـ«أوبك» النيجيرى محمد باركندو أن المنظمة أهملت شرح تاريخها وعملها للجمهور الأمريكى، وأقر بذلك خلال مؤتمر مؤسسة سيرا فى هيوستن، إذ قال: «إن أوبك منظمة تساعد فى استقرار السوق عندما تكون الظروف هشة»، فأوبك تسعى إلى تهدئة الأسواق عندما يكون هناك نقص يؤدى إلى ارتفاع الأسعار، كما أنها تسعى إلى خفض الإنتاج عندما يكون هناك فائض، لحماية مستوى أسعار معقولة تتيح استثمارات مستقبلية.
إن صورة «أوبك» فى الولايات المتحدة ما زالت قائمة على أن المنظمة هى مجموعة احتكار وضعت حظرا على النفط فى 1973 بعد الحرب الإسرائيلية ــ العربية. ولكن، على الرغم من شرح «أوبك» عمل المنظمة، فترامب والكونجرس قد يسيرون باتجاه إدخال هذا القانون، وإذا تم تبنيه يعطى الحق لوزارة العدل الأمريكية أن تقاضى أوبك لتنسيق الإنتاج النفطى. وفى حال تم تبنى هذا القانون، من الصعب تطبيقه على المنظمة ككل، فأوبك تضم دولا تربطها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة على جميع الصعد، الاقتصادية والسياسية، فى طليعتها دول الخليج الأعضاء فى «أوبك» (السعودية والإمارات والكويت)، ثم إن سياسات «أوبك» أسهمت فى استقرار أسعار النفط ومنعها من التدهور، وهو ما أدى إلى زيادة النفط الصخرى الأمريكى. ومنتجو النفط الصخرى استفادوا بشكل كبير من ذلك. حتى أن المدير التنفيذى لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول توقع «حصول الثورة الثانية من تطور النفط الصخرى الأمريكى»، وقالت وكالة الطاقة الدولية أن سنة ٢٠١٨ شهدت ارتفاعا كبيرا فى إنتاج النفط الأمريكى بزيادة بلغت ٢،٢ مليون برميل يوميا، وهو مستوى نمو إنتاج غير مسبوق بحسب الوكالة، وتوقعت زيادة النفط الأمريكى 4.1 مليون برميل يوميا من الآن إلى ٢٠٢٤، منها النفط الصخرى بـ7.2 مليون برميل يوميا.
فلو تركت أسعار النفط تنخفض إلى مستويات متدنية جدا لما تمكنت الشركات الأمريكية من الاستثمار فى التنقيب والإنتاج فى هذا المجال. العالم بحاجة إلى «أوبك»، واليوم هناك دول داخل «أوبك» تعانى من مشكلات سياسية لها تأثير كبير فى إنتاجها. فنزويلا، وهى منتج كبير للنفط فى «أوبك»، ينخفض إنتاجها بشكل سريع بسبب سياسات رئيسها مادورو الكارثية وقبله شافيز الذى خرب القطاع النفطى الفنزويلى. وإيران تواجه العقوبات الأمريكية بسبب سياسات النظام الإيرانى التهجمية والمخربة فى منطقة الشرق الأوسط. وليبيا ما زالت بعيدة عن الأمن والاستقرار، علما بأن انتاجها النفطى تعافى بسرعة، لكن الظروف الأمنية فى البلد هشة وأى أحداث بإمكانها أن توقف أو تخفض الانتاج مجددا. والجزائر أيضا تشهد ظروفا سياسية متأزمة مع بقاء بوتفليقة فى الرئاسة والتظاهرات ضد النظام، وحتى الآن لم يتأثر الإنتاج الجزائرى، لكن وضع البلد خطر إذا تفاقمت الأحداث، ما يطرح أسئلة حول استقرار إنتاج النفط هناك. وعلى الرغم من مشاكل «أوبك» تبقى عنصرا مهما للاقتصاد العالمى واستقرار أسواق النفط. ودول الخليج، فى طليعتها السعودية أكبر منتج، تلعب دورا أساسيا فى هذا الاستقرار. وقانون «نوبك» لن يكون فاعلا، أولا لصعوبة تطبيقه على مجموعة دول، وثانيا لأن العالم بأسره، وفى الطليعة الولايات المتحدة وقطاع الطاقة فيها، بحاجة إلى «أوبك» ودورها فى الأسواق.

الحياة ــ لندن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved