الأسد فى موسكو

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 21 مارس 2023 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

اتسمت زيارة الرئيس السورى بشار الأسد لموسكو يومى 14 و15 مارس 2023 بطابع مختلف عن زياراته السابقة، والتى كانت آخرها منذ نحو عامين، حيث كانت تحاط هذه الزيارات بالسرية ولا يعلن عنها ونتائجها إلا بعد إتمامها، وكان يسافر غالبا مع وفد مصغر للغاية على طائرة حربية. أما هذه المرة، فقد أعلن عن الزيارة قبلها بنحو أسبوع، ونشرت بعض وسائل الإعلام الروسية تحليلات وآراء عن العلاقات الروسية السورية والموضوعات المختلف عليها بين موسكو ودمشق، ويلاحظ أن كتاب هذه التحليلات والآراء إما على صلة بالكرملين أو بوزارة الخارجية الروسية، الأمر الذى بدا واضحا أن الهدف منه هو توجيه رسائل علنية مسبقة إلى دمشق للأخذ فى الاعتبار أن موضوعات الخلاف ستكون محل اهتمام وتركيز عليها خلال الزيارة. كما حظيت الزيارة بمراسم استقبال رسمية وغيرها من الإجراءات المراسمية بدت وكأنها ترضية للرئيس بشار الأسد.
وقد استبقت أجهزة الإعلام والخبراء الروس الزيارة بإبراز أن الموضوع الرئيسى فى المباحثات بين الجانبين الروسى والسورى سيكون مساعى تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا والتى تتبناها روسيا وتقوم بدور الوساطة فيها. ويرون أن دمشق متشددة فى مطالبها من تركيا من أجل تطبيع العلاقات معها، حيث تشترط إعلان انسحاب القوات التركية من الأراضى السورية، ووقف دعم المنظمات الإرهابية، ووضع ما يسمى «الجيش الوطنى السورى» على قائمة المنظمات الإرهابية، كما أن سوريا ترفض اعتبار «القوات الديمقراطية السورية» (قسد) منظمة إرهابية كما تراها تركيا، نظرا للدور المهم الذى اضطلعت به قسد فى محاربة التنظيمات الإرهابية، كما أن الأكراد جزء من الشعب السورى رغم أى خلافات بينهم والحكومة المركزية فى دمشق. وأدت اشتراطات سوريا إلى إبطاء مفاوضات التطبيع بينها وتركيا. فبعد أن كان منتظرا عقد لقاء ثلاثى لوزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا فى النصف الثانى من يناير 2023 تأجل إلى فبراير، ثم أعلن وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو أن اجتماعا لنواب وزراء خارجية الدول الثلاثة سيعقد فى موسكو منتصف مارس 2023، إلا أن دمشق تمسكت بضرورة اتضاح موقف تركيا من مطالبها المشار إليها قبل عقد اجتماع وزراء الخارجية والترتيب لعقد قمة ثلاثية فيما بعد، ومن ثم استبدل ذلك كله بالقمة الروسية السورية إزاء ما لمسته دمشق من رغبة روسية وتركية قوية للإسراع بتطبيع العلاقات السورية التركية ولو بتجاوز بعض المطالب السورية ومن أهمها الاتفاق مسبقا على جدول زمنى لانسحاب القوات التركية من الأراضى السورية، وهو ما تتمسك به دمشق وتضعه على رأس مطالبها.
هذا وقد سعى وزير الدفاع التركى خلوصى أكار من خلال تصريحات له يوم 12 مارس 2023 أن يهون من أمر وجود القوات التركية على الأراضى السورية، بقوله إنه ليس لتركيا أطماع فى سوريا، ولا يعد وجود قواتها فى شمال سوريا احتلالا، وإنما هدفها الدفاع عن أمن تركيا وحماية حدودها وشعبها من الهجمات الإرهابية ــ يقصد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وادعى بأنه يبدو أن السوريين يتفهمون ذلك من حين لآخر، وأن ثمة مؤشرات ملموسة على ذلك، على ضوء أن الوحدات الكردية تحتل نحو ثلث الأراضى السورية وأن العمليات التركية ضد الإرهابيين تدعم حقوق السيادة ووحدة الأراضى السورية، وأن ما تفعله تركيا ليس احتلالا أو اغتصابا للأراضى السورية. كما طمأن أكار السوريين فى تركيا وفى المناطق التى تسيطر عليها المعارضة فى شمال سوريا، المتحالفة مع تركيا، بشأن محادثات التطبيع مع دمشق، وأن أنقرة لن تقدم على أى خطوة أو تتخذ أى إجراء أو تصرف أو تعهد بالتزام من شأنه أن يضعهم فى مأزق.
إن وزير الدفاع التركى، وهو يسعى لطمأنة المعارضة المتحالفة مع تركيا، لم يتنبه إلى أنه أكد أن وجود القوات التركية فى شمال سوريا هو احتلال لحماية المعارضة ضد نظام الحكم السورى، وقد أشار الرئيس الأسد فى حديث له أثناء زيارته لموسكو إلى أن تركيا كانت تساعد وتدعم المنظمات الإرهابية. كما أن وزير الدفاع التركى يربط بين التطبيع مع دمشق واطمئنان ورضا المعارضة السورية المدعومة من تركيا عن ما يتم الاتفاق عليه بشأن هذا التطبيع وكأنه يدخلها طرفا غير مباشر فى عملية التطبيع.
• • •
ومن الجدير بالذكر أن خبراء روس، فى توجيههم رسائل استباقية لزيارة الأسد لموسكو، يرون أن سوريا ما زالت تتفاعل بمنطق المنتصر، وتصر على تجاهل الحاجة الملحة لاتخاذ خطوات إيجابية من أجل التسوية السياسية للأزمة السورية، وأن النظام السورى ما يزال يسعى للحصول على مكاسب وأنه «يضع مصلحته فوق مصلحة الشعب السورى» ويسعى للخروج من الأزمة على أنه منتصر، ولا يرى ترك مجال لبدء حوار سورى ــ سورى، وأن ذلك سبق أن حدث فى مؤتمر سوتشى بالإصرار على عدم ذكر قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، وتجاهل التعديل الدستورى. وأن النظام يحاول تحميل تدهور الأوضاع فى سوريا إلى التدخل الخارجى، والإصرار على تجاهل العوامل الداخلية للأزمة السورية، وأن مجموعة أستانة (روسيا، وتركيا، وإيران) ترى أنه لا يجوز استمرار تفاقم معاناة الشعب السورى وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وأنه يجب أن تبدأ عملية الانتقال السلمى للنظام فى سوريا بمشاركة جميع السوريين وفقا لقرار مجلس الأمن 2254 ومخرجات مؤتمر سوتشى عام 2018 وبمشاركة الأمم المتحدة، وأنه ليس أمام سوريا اختيار آخر، وعلى دمشق إدراك ذلك وأن تكون مبادرة ومشاركة بشكل أساسى فى عملية الانتقال إلى نظام جديد وعلى أساس تعديل دستورى. وكذلك تفهم أهمية عودة العلاقات التركية السورية إلى وضعها الطبيعى فى إطار علاقات حسن الجوار بما يسهم فى حل الكثير من القضايا، ومن أهمها ملفات اللاجئين والنازحين، والبدء فى وقف التدهور الاقتصادى فى سوريا، وأنه لا يجوز لأى جهة أن تضع شروطا سواء النظام أو المعارضة. وأن القوات التركية على الأراضى السورية ليست قوات احتلال، وأن وجودها على الأراضى السورية مؤقت، وقائم على أساس اتفاقية أضنة لعام 1998 بين أنقرة ودمشق، وأنها ستغادر الأراضى السورية بكل تأكيد عندما يتفق السوريون، وينجح النظام الجديد فى فرض سيطرته وسيادته على كامل الأراضى السورية.
• • •
إن صدور هذه الرسائل عن مقربين من السلطات الروسية يمثل نوعا من الضغط على الرئيس بشار الأسد، حتى وإن استند إلى مبررات غير مقبولة بربط وجود القوات التركية على الأراضى السورية بحل الأزمة السورية وليس بعملية تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، كما أن الاستناد فى وجود هذه القوات إلى اتفاقية أضنة لعام 1998 مغلوط لأن الاتفاقية لا تنص على وجود قوات لأى من طرفيها على أراضى الطرف الآخر بصفة دائمة وعلى امتداد مساحات سورية كبيرة، وإنما تسمح بالمطاردة الساخنة من جانب قوات كلا البلدين للعناصر الإرهابية أو الإجرامية فى إطار مسافات محدودة للغاية ولمدة قصيرة وليس التمركز والتحصن.
وقد كان الرئيس الأسد واضحا وحاسما بالنسبة لوجود القوات التركية على الأراضى السورية وربط جدول انسحابها بعملية التطبيع بين البلدين وأن لقاء بين رؤساء كل من روسيا وتركيا وسوريا يتم بعد الاتفاق على جدول لانسحاب القوات التركية. وحرص الرئيس الأسد على إرضاء روسيا بالترحيب بوجود والتوسع فى القواعد العسكرية الروسية على الأراضى السورية، والإشادة بدور القوات الروسية الداعم ومساهماتها سواء فى مكافحة الإرهاب أو فى مواجهة كارثة الزلزال الذى حدث فى 6 فبراير 2023. كما نوه الرئيس بوتين بجهود القوات الروسية فى تقويض خطر الإرهاب الدولى فى سوريا، وهو ما سمح بالتركيز على آفاق التسوية السياسية والاستقرار الداخلى فى سوريا، وأشار إلى تطور التبادل التجارى بين البلدين خلال عام 2022. وقد بحث الطرفان التعاون السياسى لحل الأزمة السورية، والتعاون الاقتصادى والعسكرى وفى عملية إعادة الإعمار.
وقد تناول وزير خارجية روسيا سيرجى لافروف مع وزير خارجية سوريا فيصل المقداد التطورات الأخيرة فى الشرق الأوسط، والاتفاق على عودة العلاقات الإيرانية السعودية وترحيب روسيا بذلك بما يتفق مع مبادرتها لأمن منطقة الخليج، وأشار لافروف إلى أنه سيبحث عودة سوريا لجامعة الدول العربية عند الاجتماع مع وزراء الخارجية العرب خلال الأشهر القادمة، وأعرب عن رأيه بأن وجود القوات التركية فى سوريا مؤقت.
هذا ويلاحظ أنه، بناء على توافق فى الآراء بين الرئيس أردوغان وبوتين، تم ضم إيران إلى مساعى تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، وذلك على نمط مجموعة أستانة من ناحية ولإرضاء طهران لتكون عاملا مساعدا فى إقناع دمشق بالتجاوب مع مسار الإسراع فى عملية التطبيع من ناحية أخرى، وإن كان يبدو أن إيران أقرب لوجهة نظر النظام السورى ومطالبه.
إن كل طرف من الأطراف الثلاثة، روسيا وتركيا وسوريا، لديه مطالب عاجلة نتيجة ضغوط قوية. تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية فى منتصف مايو 2023 ويواجه أردوغان منافسة قوية من تحالف المعارضة وانتقادات شديدة بشأن وجود اللاجئين السوريين فى تركيا، وتهم الفساد فى مراقبة الالتزام بقوانين المبانى المقاومة للزلازل فى تركيا وما ترتب على ذلك من خسائر فادحة فى الزلزال الأخير، ويسعى لتحقيق إنجاز على هذه المسارات. وسوريا تواجه أزمات طاحنة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأزمة امتدت اثنى عشر عاما وفى حاجة إلى مخارج من كل هذه المشاكل المعقدة، وتدرك حاجتها إلى روسيا وإيران، وأهمية التطبيع مع تركيا ولكن ليس على حساب الرضا ببقاء قوات الاحتلال التركية المؤيدة للمعارضة السورية وربط رحيلها بالحل السياسى للأزمة السورية. أما روسيا، فهى فى حاجة إلى تركيا التى لا تطبق العقوبات الاقتصادية عليها وتضطلع بدور الوسيط فى الحرب الأوكرانية، وفى حاجة لاستمرار وجود قواعدها العسكرية ونفوذها فى سوريا الآن وبعد التسوية السياسية للأزمة السورية. لذا، فكل من هذه الأطراف يتعامل بما يملك من أدوات ضغط ولكن بحذر تحسبا لأية خسائر كبيرة. ويبقى عامل آخر مهم فى الأزمة السورية وهو الولايات المتحدة وما يمكن أن تقوم به من دور معطل لأى حل أو تقارب مع النظام السورى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved