هل تُخرج لعبة (الكراسى الموسيقية) السياسة المصرية من عثراتها؟

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: السبت 21 أبريل 2012 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

يتساءل كثيرون لماذا عاد المجلس العسكرى «حكما» بين الفرقاء السياسيين، يأخذ زمام المبادرة فى لجنة وضع الدستور، ويطالب بدستور أولا، وتلميحات بتمديد مرحلة انتقالية، ومناشدات بالبقاء إلى حد أن مثقفين يتحدثون عن أهمية «الانقلاب العسكرى»، السبب أن ما سمى المرحلة الانتقالية، وهى بالمناسبة تسمية خاطئة، أوشكت على البداية، وليس النهاية. فى الدول الآخذة فى التحول الديمقراطى المرحلة الانتقالية تعنى دستورا، وحكومة قوية، وقوانين ضامنة للحريات العامة، وانتخابات تنافسية حرة، أما ما حدث فى مصر فهو تعديلات دستورية يتنصل منها مؤيدوها رغم أنهم كانوا المستفيدين منها، وحكومات متوالية خالية الوفاض، وغيبة للتشريعات الضامنة للحقوق والحريات، فضلا عن شيوع أشكال من الافتئات على الدولة وسلطة القانون ومؤسسات العدالة. المرحلة الانتقالية توشك على البداية، وليست النهاية، بوضع دستور، وانتخاب رئيس، وتشكيل حكومة جديدة. ولكن هل لا تزال لدى القوى السياسية القدرة على تشكيل ملامح «القادم» بعد كل الشقوق التى أصابت الجسد السياسى «الضعيف» بالفعل؟

 

(1)

 

 

هناك غياب واضح لثقافة الدولة القانونية. الملمح الأساسى لما جرى خلال أكثر من عام مضى على ثورة 25 يناير هو الخلط بين الحالة الثورية وتفشى الفوضى فى مختلف قطاعات الحياة، ولاسيما على مستوى الشارع، مما أشعر قطاعا عريضا من المجتمع بالاختناق والخوف. ولكن ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين من استعراض واضح للقوة، والتهديد بالانتقام وبحور الدماء يمثل فصلا جديدا من فصول الافتئات على كيان الدولة ذاته. التحدى الذى يظهره أنصار الشيخ حازم أبوإسماعيل أمام مجلس الدولة واللجنة العليا لانتخابات رئاسة الجمهورية هو أمر خطير ويحمل دلالات تكشف عن أن جماعات من الإسلام السياسى التى خرجت من حالة الحجب عن الشرعية إلى العلن السياسى لا تزال فى حالة «حيرة» تجاه دولة القانون، لا تعرف كيفية الامتثال إليه فى الوقت الذى تربط حضورها فى المشهد السياسى بالعقيدة والجهاد فى سبيل الله. ما يحدث هو فضيحة مصرية بامتياز تضاف إلى مهزلة «المرشحين المحتملين» بالمئات الذين قاموا بسحب أوراق الترشح. أخطر تحدٍ يواجه بناء الديمقراطية هو غياب الدولة القانونية، التى تقوم على احترام القانون، والمساواة بين المواطنين، واستقلال القضاء، وصيانة هيبته، ومواجهة جميع أشكال الافتئات عليه، أو ترويع العاملين فيه. هناك تحرش بمؤسسات العدالة سوء المطالبة أو التخطيط لإلغاء المحكمة الدستورية، أو إعادة تشكيل المحاكم. يثبت ذلك تناقضا فى المواقف داخل الإسلام السياسى تجاه حكمين صادرين من نفس الهيئة القضائية، مجلس الدولة، إذ بينما يحتفى، ويتمسك، ويتكئ أنصار حازم أبوإسماعيل على حكم ملتبس من مجلس الدولة بأن والدة المرشح لا تحمل جنسية أخرى غير المصرية، تعترض فصائل من الإسلام السياسى على حكم آخر صادر من مجلس الدولة يبطل تأسيس اللجنة التأسيسية للدستور. لا يمكن بناء ديمقراطية دون دولة قانون، ويصعب تصور وجود ديمقراطية دون التزام بأسس بناء الدولة الحديثة التى تقوم على المساواة أمام القانون، والعدالة الناجزة، واحترام الحقوق والحريات الفردية، وأن تكون الغلبة للقانون، وليس لاستعراض العضلات السياسية، وترويع المواطنين.

 

 

(2)

 

هناك قواعد للعبة لا نعرفها، ولسنا طرفا فيها، ولكن الكل يعانى ويلاتها. هناك مجلس عسكرى، وهناك إخوان مسلمون. طرحت التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011، وحشد التيار الإسلامى الجماهير لتأييد هذه التعديلات، بالاتفاق مع المجلس العسكرى، وغض الطرف عن انتهاكات كثيرة من استخدام الدين لتزييف وعى البسطاء لتمرير التعديلات الدستورية تارة بدعوى الحفاظ على المادة الثانية فى الدستور التى لم تكن موضع استفتاء من الأصل، وتارة أخرى بدعوى جلب الاستقرار، ووضع الزيت فى ماكينة الدولة مرة أخرى. أبرز ما تمخض عنه الاستفتاء هو أن يختار مجلس الشعب لجنة وضع الدستور بعد انتخابه، ثم تجرى انتخابات رئاسية بتحصين كامل للجنة انتخابات الرئاسة بموجب المادة (28) التى تنص على أن قراراتها «نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء، كما تفصل اللجنة فى اختصاصها»، وهو نص لم يستطع نظام مبارك وضعه على هذا النحو. وكان التيار الإسلامى بمختلف تفريعاته موافقا، ومدعما للتعديلات الدستورية، وحشد المؤيدين لها، وجاءت النتيجة كما هو معروف بتأييد أكثر من 77% للتعديلات الدستورية، مقابل 22% رفضوا التعديلات، من منطلق واحد أن يكون الدستور أولا. اليوم يريد كل من المجلس العسكرى والإخوان المسلمين إعادة النظر فى موقفيهما. يتحدث المجلس العسكرى عن «الدستور أولا»، ويتحدث الإخوان المسلمون عن رفض «المادة 28» من الإعلان الدستورى، ونسمع من إسلاميين من يقول إن الدستور كان ينبغى أن يكون أولا. حالة نزاع واضح على السلطة، ليس للمجتمع ناقة فيه ولا جمل، والليبراليون والقوى الثورية الأخرى فى حالة تشرذم، اضطراب، تعود للميادين متظاهرة، هل تتظاهر ضد «حكم العسكر» وهى لم تعد على توافق مع الإخوان المسلمين الذين لعبوا دورا فى تشويهها بالتوافق مع المجلس العسكرى، أم يتظاهرون ضد الإخوان المسلمين، الذى تركوا الميدان وأقصوا المختلفين من لجنة وضع الدستور الملغاة لكنهم فى هذه الحالة يصفون فى صف «الحكم العسكرى» الذى يرفضونه، ويرفضه غيرهم. غياب البديل الثالث، والذى أرى أن انسحاب الدكتور محمد البرادعى وضع المجتمع فى حالة تجاذب وتناحر بين بديلين كلاهما محل رفض فى اختلافهما، فما بالك فى حالة اتفاقهما؟

 

 

(3)

 

القوى السياسية تعود إلى «الميدان» دون صفاء سياسى، ليست مثلما كان الحال فى 18 يوما التى شهدت ثورة 25 يناير. هناك شرخ بين التيار الإسلامى والتيارات السياسية الأخرى، ليس سببه الإسلاميون فى كل الأحوال، ولكن تتحمل القوى السياسية الأخرى مسئولية حياله، بحكم إظهارها المستمر للعداء، والرفض، وعدم الرغبة فى التوافق مع الإسلاميين. وفى المقابل فإن الإسلاميين أعطوا مؤشرات سلبية للقوى السياسية، وللمؤسسات العامة، بدءا من التوافق مع المجلس العسكرى لتمرير تعديلات الدستور فى 19 مارس، مرورا بالخروج من الميدان والتمسك بشرعية البرلمان التى يقولون إنها لم تعد كافية الآن دون شرعية الميدان، والسعى للاستئثار بمقاعد البرلمان، ثم رفض أى محاولة للتوافق حول معايير لوضع الدستور، وانتهاء بالهيمنة على تشكيل لجنة وضع الدستور، مما وضعهم فى مأزق مع القوى السياسية ومؤسسات الدولة، وأعطى مساحة من الحركة والتدخل للمجلس العسكرى، الذى وجد فيما حدث فرصة لتخفيف الضغط عليه. اليوم بناء التوافق بين القوى السياسية صعب، ويحتاج إلى جهد أكبر، وقد يكون مدخله اتفاقا على معايير واضحة لتشكيل لجنة وضع الدستور، بما لا يقصى أحدا، ولا يسمح بغلبة تيار على غيره، وذلك بالاتفاق على تشكيل اللجنة من خارج البرلمان، من شخصيات فى مجملها غير حزبية ولا تخضع للهوى السياسى، لها قدرها من الاحترام، ويكون تمثيل التيارات السياسية الرئيسة دون تقيد بالتمثيل البرلمانى، لأن الدستور ليس لأغلبية، ولا يصنع بأغلبية، ولكنه للمجتمع، لكل مواطنيه باختلاف ألوانهم وأطيافهم. إذا فعلها التيار الإسلامى، ونجح فى ذلك، سيكون ذلك بداية لترميم «شرخ عميق» فى الثقة السياسية فى المجتمع، أما إذا استمر حديث المشاركة، وفعل المغالبة، فإن ذلك سيؤدى لا محال إلى الحكم العسكرى بوصفه حكما بين فرقاء، وليتحمل الجميع مسئوليته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved