اقتصاد الإبداع

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 21 أبريل 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

بعيدا عن دوى رشاشات الكلاشينيكوف وصور المجاعة والأطفال الذين حملوا السلاح تحت وطأة الحروب الأهلية، وكل تلك الصور النمطية التى ارتبطت بأفريقيا، يحملنا الحديث مع بيتر رورفيك ــ الرئيس الحالى لشبكة آرتيريال للثقافة الأفريقية ــ إلى حكايات وأسماء بعضها جاء مثله من جنوب أفريقيا ليؤكد أن اليأس خيانة، وأن انتهاء دور المثقف وعجزه مجرد أكذوبة.. يذكرنا بنموذج الشاعر والناشط السياسى، دينيس بروتس الذى توفى عام 2009 وكان قد لعب دورا كبيرا فى إقناع العالم برفض مشاركة جنوب أفريقيا فى الألعاب الأوليمبية لتطبيقها سياسات التمييز العنصرى، وكيف ألقى القبض عليه وقضى 18 شهرا فى السجن مع نيلسون مانديلا. ويذكرنا بكاتب وقانونى آخر ناهض العنصرية فبُترت يده، إلا أنه شارك فيما بعد فى كتابة دستور البلاد، وهو ألبى ساكس. ويتحدث أيضا عن أغنيات الفنان السنغالى ــ عوادى (Awadi) الذى تناول مؤخرا الحلم الأفريقى بعد خمسين سنة على الاستقلال، ومزج الموسيقى التقليدية بالراب حين أراد تخليد بعض أبطال القارة مثل نيلسون مانديلا والشاعر إيميه سيزار وباتريس لومومبا، أول رئيس وزراء منتخب فى تاريخ الكونغو وغيرهم، من خلال أغنية بعنوان «رؤساء أفريقيا».

 

●●●

 

عوادى أصبح هو الآخر رمزا للثورة بين الشباب، كل أعماله تقوم على الصورة والإيقاع مثل أبيات ليوبول سنجور، الشاعر السنغالى الشهير. ولكن مع كل هذا الزخم، لا يتعدى حجم المنتج الثقافى أو الإبداعى الذى تصدره أفريقيا للعالم سوى 1%، بخلاف الولايات المتحدة الأمريكية التى تتربع على عرش الصادرات الثقافية منذ التسعينيات.. فالموضوع فى النهاية يتعلق باقتصاد الإبداع (creative economy)، وهو قطاع مهم من قطاعات الاقتصاد التقليدى، يشمل الحرف والنشر والموسيقى والفنون البصرية والمسرحية والتشكيل والسينما إلى ما غير ذلك.. وبما أن القارة داؤها الفقر، وبما أن الاتحاد الأفريقى لا يملك الإمكانات، فالدعم بالأساس يأتى من دول الشمال، وعندما تكون الأحوال الاقتصادية سيئة تكون الثقافة هى أول المتضررين. لذا تحاول شبكة آرتيريال (Arterial Network) التصدى لمثل هذه الحقائق منذ نشأتها عام 2007، على الأقل بواسطة جمع وتشبيك العاملين بالمجال الثقافى من خلال أنشطة ومؤتمرات، وعلى رأسها لقاء سنوى حول اقتصاد الإبداع، ستعقد دورته المقبلة فى السادس من أكتوبر المقبل فى مقاطعة كيب بجنوب أفريقيا للنظر إلى المعطيات والمستجدات وتقديم دراسة حالة للقارة. وعلى الرغم من أن فكرة التبادل الثقافى بين دول القارة قد طرحت منذ مؤتمر باندونج الذى عقد عام 1955 بحضور 29 دولة أفريقية وآسيوية سعت وقتها لتكوين ما عرف بحركة عدم الانحياز أو الوقوف بعيدا عن سياسات الحرب الباردة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن هذا التبادل ضئيل جد فى المجال الثقافى، مع أن هناك فرصة لفتح أسواق جديدة، فعلى سيبل المثال تعداد سكان أفريقيا الجنوبية يصل إلى 280 مليون، على الأقل 20 مليونا منهم قادرون على شراء منتجات ثقافية.

 

●●●

 

الحديث مع بييتر رورفيك يمتد بنا إلى مكان آخر، تحديدا إلى جزيرة صغيرة بالسنغال، حيث ولدت شبكة آرتيريال عام 2007، حين اجتمع مجموعة من الناشطين الثقافيين (حوالى 60)، وأخذوا زمام المبادرة لدعم وتسهيل مهمة بعضهم البعض.. رورفيك كان ضمن الحضور بحكم خبرته الطويلة فى تمويل المشروعات وتنظيم المهرجانات، فوقتها كان رئيسا لمركز الفنون والإبداع بمدينة دربن التابع لجامعة كوازولو ناتال (ظهر هذا المركز بعد عامين من انتخاب مانديلا).. اختيار جزيرة جوريه السنغالية كمكان للقاء الأول لا يخلو من الرمزية، فقد شكلت من القرن الخامس عشر إلى التاسع عشر المركز التجارى الأكبر لتجارة العبيد فى الساحل الأفريقى، وسميت جزيرة الرقيق أو بوابة المعاناة. وكما تحول «بيت العبيد» بالجزيرة إلى مزار سياحى، وأعلنتها اليونسكو ضمن التراث العالمى، انطلقت منها أيضا شبكة «آرتيريال» ومقرها شارع التجارة بكيب تاون. وهى تحظى حاليا بممثلين محليين لها فى حوالى أربعين دولة (مؤسسة المورد الثقافى فى مصر) لتقديم النصح والإرشاد ووضع السياسات الثقافية وإقناع الحكومات بها والنقاش وتوفير قاعدة بيانات متكاملة على مستوى القارة أو دليل للمبدعين الذين ظلوا طويلا لا يعرفون عن بعضهم الكثير، فالشمال بمعزل عن الجنوب.. فى حين أن دولة كالصين اتجهت بشكل ملحوظ إلى أفريقيا فى السنوات الأخيرة، وتعتبر ثانى أكبر شريك تجارى لها بعد الولايات المتحدة الأمريكية.. ربما حان الوقت لمزيد من التواصل، وعلى مستوى آخر لمزيد من الاعتماد على التمويل الذاتى القائم على جهود وأموال المجموعات المحلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved