المثقف العربى ومتطلبات مرحلة الحاضر

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 21 أبريل 2016 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

وصف المفكر الراحل قسطنطين زريق المثقف بأنه هو الإنسان الذى يعتمد العقل فى النظر إلى الأمور وفهمها، وفى الوقت نفسه يعتمد الضمير فى الحكم عليها.

أما الفيلسوف الماركسى الإيطالى الشهير، غرامشى، فإنه يضيف بأن المثقف إما أن يكون «تقليديا» عندما يرتبط ويخدم المجموعات والطبقات، التى فى طريقها للسقوط، وإما أن يكون مثقفا «جديدا» عندما يكون ناقدا للقديم، ومساهما فى تجييش المجموعات الاجتماعية الصاعدة، أى «مثقف عضوى».
فما تعريف المثقف العربى، وما تصنيفه، فى هذه الفترة البائسة من حاضر أمته العربية؟

الوقائع تقول إن وضعه بائس، كبؤس وضع أمته. فهو إما مطارد من قبل سلطات الأمن والتسلُط السياسى، أو أنه مشترى من قبل أصحاب المال والوجاهة والفساد، أو أنه منعزل يجتُر يأسه ويداوى جراح خيبات آماله وأحلامه المرة تلو المرة الأخرى.

نحن لسنا معنيين بالأشكال الثلاثة ولا بالعار الذى يلاحق بعضهم. نحن معنيون بالمثقفين، الذين لا يزالون يؤمنون بأن قدرهم أن يكون لهم دور طليعى كمعترضين، وناقدين ومبشرين بمشروع إنسانى عادل، وأنهم يجب أن يؤدوا ذلك الدور حسب ضمائرهم وبشجاعة تامة مرفوعة الرأس. وبمعنى آخر يبدون استعدادا لأن يكونوا ضمير المجتمع وينطقون باسمه.

هنا يجب التذكير بأن تاريخ المثقفين فى الحضارة العربية الإسلامية هو تاريخ مشرف، سواء أكانوا من الفقهاء، أو العلماء أو الفلاسفة وأصحاب الرأى. لقد واجهوا النفى والتشريد، وحرق الكتب، واستعداء الغوغاء، والسجون، بل وحتى التعذيب والموت.

ولذلك، ففى هذه اللحظة التى تزداد فيها سطوة الاستبداد السياسى من جهة، ويصعد الفساد المالى إلى أعلى القمم، وترتكب القوى التكفيرية العنيفة أبشع الفضائح والحماقات باسم فهم متخلف متزمُت للدين، فى هذه اللحظة تبدو الحاجة للمثقف الملتزم، صاحب الضمير، العقلانى، المتوجه لأنبل ما فى الضمير الجمعى لأمة العرب، تبدو الحاجة شديدة ومصيرية.

***

لكن تلك الوظائف العامة للمثقف ستحتاج أن تحدد فى أولويات حسب حاجات المرحلة التاريخية الصعبة التى تمُر فيها جميع مجتمعات الوطن العربى. وإلا فإن المثقف العربى سيجد نفسه منغمسا فى مماحكات إيديولوجية مع هذه الجهة أو تلك أو فى طرح تصورات ليس الآن بالوقت الصالح لطرحها. ونحن هنا نتكلم عن القضايا الفكرية الثقافية وليس القضايا السياسية اليومية التى لها أولوياتها الخاصة بها.

فى هذه اللحظة يحتاج المشهد العربى إلى إعطاء أولوية قصوى لموضوع الديموقراطية، وعلى الأخص جانب الحريات العامة والشخصية. إذ أن البعض يستغلُ حدوث أخطاء فى حراكات الربيع العربى ليشوه ويسفُه نظام الحكم الديمقراطى وليعلن، خدمة لقوى الاستبداد، بأن العرب ليسوا مستعدين حاليا للانتقال إلى الديموقراطية. وهؤلاء بالطبع، بصورة غير مباشرة، يطعنون فى شعارات شباب الأمة المطالبة بالكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية.

أما الأولوية القصوى الثانية فتتعلق بضرورة تحليل ونقد الجزء المتخلف من التراث الفقهى من أجل تجاوزه إلى قراءات أكثر عقلانية وعدالة وأكثر انسجاما مع متطلبات العصر البالغة التعقيد، وكذلك نقد وتحليل التاريخ العربى لإبعاده عن إقحامه المستمر من قبل البعض فى أمور الحاضر بحيث يصبح الماضى مهيمنا على الحاضر والمستقبل. وهذا التحليل التاريخى يجب أن يشمل تفكيك الأساطير والمبالغات وسوء الفهم بالنسبة لموضوعى القبلية والطائفية وبالنسبة للعادات والسلوكيات الفردية.

إن الجنون الذى أدخلته قوى التكفير فى قلوب وعقول الكثيرين من شباب وشابات العرب يتطلب إخراجه بسرعة وبجذرية من خلال عمليات جراحية لأمراض التراث وعاهاته، التى تجمعت عبر القرون، وأضعفت عافية هذه الأمة وعافية الرسالة المحمدية نفسها.

إن أحد مشاكل الثقافة والمثقفين فى بلاد العرب هو عدم العض القوى المستمر على مواضيع الأولويات والضياع فى ألف معركة ومعركة دونكيشوتية.

قد يختلف الآخرون حول الأولويات، وهذا شىء طبيعى. لكن المهم أن يوجد المثقفون المتناغمون للتركيز على أولويات هذه المرحلة، وعلى جعل تلك الأولويات أحاديث وكتابات ومعارك يومية لتوجيه وعى وأحلام وحيوية وتضحيات الإنسان العربى الذى تسعى الكثير من الجهات الخارجية والداخلية لإدخاله فى متاهات اليأس والحيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved