مغامرة الحرب

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 21 أبريل 2018 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

الضربة الأخيرة التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ضد النظام السوري ذكرتني بالحرب على العراق كما عشناها في القاهرة، مع الفارق أن وقتها كانت ردة الفعل أقوى لاختلاف بعض الظروف ولاعتيادنا حاليا الغارات والهجمات والهوان، فلم يعد عامل الصدمة بالإثارة والشدة نفسهما.

استرجعت فجأة ما كتبت حينها حول تحولات الأصدقاء وبعض المعارف، وكيف انعكس تفاعلهم مع الأزمة على شخصياتهم ورؤيتهم لكثير من الأمور. مظاهرات وتجمعات وفعاليات مختلفة تم تنظيمها واشتركت في بعضها، وكنت أرصد رغما عني التغيرات التي طرأت على من حولي، خاصة هؤلاء الذين كانوا في مراحل مفصلية من حياتهم أو الذين كانوا يبحثون عن هدف ومعني أو ببساطة عن ذواتهم، في خضم الأحداث. كان هناك من كتب قصيدة رددها الناس، ومن تداوي جراحها بعد علاقة حب فاشلة دفعتها لمراجعة حساباتها، ومن عاش هزيمة 67 ولا يستوعب فكرة الحرب على الهواء مباشرة فأصابته الكوابيس، ومن لم يعرف قط مثل هذه الصراعات المسلحة لأنه من جيل اتفاقات السلام، إلى ما غير ذلك، فهناك دائما ذاكرة أخرى غير رسمية للحروب تتكون وتترسخ لدى الأفراد، بعيدا عن الدوائر الرسمية التي تتعمد أحيانا طمس بعض عناصر الحكاية لتقدم الصورة التي تريد أو التي تظن أنها مناسبة.

***

وهو ما رأيناه مليا في الحربين العالميتين، عندما يكتفي التاريخ الرسمي للدول بالحديث عن المقاومة وبطولاتها، دون التعرض لوجود خونة ومتعاونين مع الخصم، وما قد ينطبق أيضا على موقفنا من القضية الفلسطينية وعلاقتنا ببدو سيناء. دوما هناك بعض المسكوت عنه، وبعض ما نفضل إغفاله وبعض ما لا يتوقف عنده المؤرخون. وغالبا هو ما أحب أن أتناوله بالملاحظة والبحث، جانب ثقافة وأنثروبولوجيا الحروب التي إذا جاء الاهتمام به فيأتي بعد سنوات وسنوات من محاولات تهدف إلى تحديد من المسؤول عن هذا وذاك وعلى من يجب أن يقع اللوم والعبء الأكبر، أو تهدف إلى الوقوف على تفاصيل العمليات العسكرية وأسرارها، دون الاهتمام بعقلية المقاتل مثلا أو ما الذي كان يدور في رأسه أثناء المعركة.

***

بمرور الوقت وشيء من الموضوعية، قد نكتشف أن كل الصراع كان عبثيا ونقول إننا ضيعنا الكثير في لامعنى وغرقنا في كواليس المؤامرات السياسية والدبلوماسية، لكن أثر الحرب في النفوس ومسارات البشر لا يمكن الرجوع فيه، فقد سبق السيف العذل. لأن الحرب التي تضعنا بين الحياة والموت هي لحظة حقيقة واختبار، تظهر خلالهما الطبيعة الإنسانية ومعادن الناس، بكل وضوح، دون مواربة، حيث لا ينفع الندم ولا الكذب. هي مغامرة خطرة ندخلها ونخرج كما ولدتنا أمهاتنا. يجسدها رسام مثل بيكاسو في جدارية "الجورنيكا" أو يصورها مخرج مثل فرانسيس كوبولا في فيلم "القيامة الآن" أو تجعل مصممة أزياء مثل كوكو شانيل تغير تماما من مظهر المرأة عندما تلبسها ثوب أسود بسيط أو جاكيت بدلة رجالي، وتبدو بشعر قصير كالغلامة بعدما خرجت للعمل لتحل مكان الرجال المشغولون بالمعركة على الجبهة... كل ذلك تجليات لتغير مجتمعي حدث بفعل الحرب التي حدثت بفعل فاعل تبدلت عقليته وصار القتل بالنسبة له بدافع قومي أو وطني مبرر، بل وواجب. الحرب هي زاوية للرؤية، منظار يسمح لنا أن نرى من خلاله تطور المجتمع وما اعتراه من تغيرات وانقسامات وتطلعات وأحلام كبيرة كانت أم صغيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved