أهداف الوساطة الروسية فى ليبيا

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 21 أبريل 2019 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة صدى كارنيجى مقالا للكاتب «سامويل رامانى» تناول فيه أهداف الدبلوماسية الروسية واستراتيجيتها فى ليبيا، وموقفها تجاه حكومة حفتر وحكومة الوفاق الوطنى.

فى الثامن من إبريل، عطّلت روسيا قرارا فى مجلس الأمن الدولى يدعو قائد الجيش الوطنى الليبى، خليفة حفتر، إلى وقف هجومه فى طرابلس، الذى بدأ فى الرابع من إبريل. لقد جدّدت روسيا، من خلال خطوتها هذه، تأكيد موقفها الذى يجعل منها واحدة من أبرز حلفاء حفتر، إلى جانب مصر والإمارات العربية المتحدة، وسلّطت الضوء على استعدادها المتواصل لحماية حفتر من الانتقادات الدولية. بعد ثلاثة أيام، قام حفتر بزيارة مفاجئة إلى موسكو مع اشتداد هجومه على طرابلس، فى مسعى للحصول على المساعدات العسكرية من المسئولين فى وزارة الدفاع الروسية.

السلوك الدبلوماسى الأخير لروسيا ومصالحها الاستراتيجية فى ليبيا هما فى أساس دعمها للهجوم الذى يشنّه حفتر. فهى ترى فى هيمنته المتزايدة على الاحتياطات النفطية الليبية ورقة استراتيجية قيّمة، فيما تسعى الشركات الروسية إلى الإفادة من الإنتاج النفطى الليبى المتنامى. وكذلك تعتبر موسكو أن ما يُسمّى الجيش الوطنى الليبى بقيادة حفتر يُشكّل حصنا ضد التطرف الإسلامى فى ليبيا.

والأهم من ذلك، تسعى روسيا، إلى تعزيز تأثير حفتر على التسوية الدبلوماسية التى قد يجرى التوصل إليها مستقبلا بوساطة من الأمم المتحدة. من وجهة النظر الروسية، دعمُ الهجوم على حفتر هو الوسيلة الأكثر فاعلية لتعزيز موقع روسيا التفاوضى فى ليبيا مستقبلا. ففى حين يُجمع العاملون فى السياسة الخارجية الروسية، على أن الهجوم العسكرى الذى يشنّه حفتر يتناسب مع الأهداف الدبلوماسية الروسية، تحاول موسكو أيضا أن تُبقى على قناة مفتوحة مع حكومة الوفاق الوطنى، عبر الانخراط بصورة منتظمة فى حوار مع المسئولين فى الحكومة حول النزاع. فالانفتاح الروسى على هذه الحكومة هو انعكاسٌ لبراغماتية موسكو التى تريد الحفاظ على نفوذ لها فى حال فشل حفتر فى توحيد ليبيا تحت حكمه، كما يُسلّط الضوء على تطلعاتها إلى أداء دور الوساطة فى ليبيا.

على الرغم من أن حفتر عمد إلى توسيع نفوذه فى ليبيا عبر شنّ حملات عسكرية ناجحة، فإنه وجد صعوبة فى تحويل هذه الانتصارات العسكرية إلى تقدّمٍ على طاولة المساومات الدبلوماسية. ترتبط هذه الإخفاقات بنظرة الجزء الأكبر من المجتمع الدولى الذى يعتبر أن فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطنى المعترَف بها من الأمم المتحدة، لا حفتر، هو الزعيم الشرعى للبلاد. لقد أشار أندرى كورتونوف، مدير عام مجلس الشئون الدولية الروسى، فى التاسع من إبريل، إلى أن روسيا دعمت هجوم حفتر لأنها تريد أن يستخدم الجيش الوطنى الليبى نجاحاته العسكرية ورقة مقايضة بغية تعزيز نفوذه فى التسوية الدبلوماسية.

وقد عمدت وزارة الدفاع الروسية، بهدف التسريع فى وتيرة تقدّم استراتيجيتها الليبية، إلى تقديم مساعدات عسكرية صغيرة النطاق للجيش الوطنى الليبى. فى مارس الماضى، أفادت تقارير أن مجموعة واغنر نشرت 300 جندى روسى فى بنغازى وزوّدت حفتر بالمدفعيات والطائرات غير المأهولة والدبابات والذخائر التى يستطيع الجيش الوطنى الليبى استخدامها فى الهجمات العسكرية. وحصل ذلك بعد اجتماع أوّل عُقِد فى نوفمبر 2018 بين حفتر ووزير الدفاع الروسى سرغى شويغو ورئيس مجلس إدارة مجموعة واغنر، ييفغينى بريغوزين. غالب الظن أن روسيا ستستمر فى إرسال الأسلحة إلى الجيش الوطنى الليبى، فوصول حفتر إلى الحقول النفطية الليبية سيُتيح له شراء أسلحة روسية بوتيرة أكثر اطرادا.

تأمل روسيا، من خلال تثبيت نفسها فى موقع الحليفة الأساسية لحفتر إنما الانخراط فى الوقت نفسه فى حوار مع حكومة الوفاق الوطنى، بأن تُقدّم نفسها فى صورة وسيطٍ أكثر نفوذا فى ليبيا قادرٍ على التفاوض مع جميع الفرقاء السياسيين المعنيين. كما أنه من شأن العمل على تحقيق مصالح حفتر فى التسوية الدبلوماسية أن يوطد علاقات موسكو مع مصر والإمارات العربية المتحدة فى وقتٍ تدعم فيه الدولتان خروج الرئيس السورى بشار الأسد من عزلته الدبلوماسية، وأن يمنح حفتر الشرعية التى يحتاج إليها لاستقطاب مزيد من الاستثمارات الخارجية فى شرق ليبيا.

على الرغم من أن الطلب الوحيد للوساطة الروسية حتى تاريخه صدر عن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الداعِم لحفتر فى طبرق، إلا أن صنّاع السياسات الروس يأملون بأن يساهم تواصلهم المستمر مع حكومة الوفاق الوطنى فى جعل رئيس الوزراء فايز السراج أكثر انفتاحا على جهود الوساطة المدعومة من الكرملين. ويُشكّل تسهيل الإمارات للحوار بين السراج وحفتر فى فبراير الماضى، على الرغم من موقف أبوظبى الداعم للجيش الوطنى الليبى، سابقة مشجِّعة لمبادرات الوساطة الروسية.
على الرغم من أن نتائج الهجوم الذى يشنّه حفتر لا تزال غير واضحة، إلا أن تحالف روسيا مع زعيم الجيش الوطنى الليبى وعلاقاتها الدبلوماسية الراهنة مع حكومة الوفاق الوطنى يخوّلانها أن تحجز لها دورا بارزا للوساطة فى النزاع الليبى. ومن شأن هذا الدور أن يعزّز من صدقية الهدف الذى يسعى إليه لافروف والمتمثل فى تسليط الضوء على مساهمات موسكو فى الاستقرار فى المتوسط، والذى يُشكّل عنصرا محوريا فى الجهود التى يبذلها لمد اليد إلى إيطاليا والمغرب العربى، كما أن هذا الدور يؤدى إلى توطيد مكانة موسكو الصاعدة كقوة عظمى فى الشرق الأوسط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved